قلت : إذا كان المراد من المعرفة الأُمور الغيبية الخارجة عن حدود علم الإنسان العادي ، فالتكليف به مع عدم البيان داخل في التكليف بغير المقدور ، وعلى ذلك فيكون الإيتاء أيضاً بمعنى الإقدار والتمكين ، لا الإعلام ، فتكون الآية ردّاً لمن يجوز التكليف بما لا يطاق.
حتى لو قلنا أيضاً بأنّ إيتاء كلّ شيء بحسبه وانّ إيتاء المال إنّما يتحقّق بالإعطاء وإيتاء الشيء فعلاً أو تركاً إنّما يكون بإقدار اللّه تعالى عليه ، وإيتاءالتكليف ، بالوصول والإعلام ، فلا يصلح للاستدلال إلا في التكاليف التي يكون التكليف بها ـ بلا إعلام ـ تكليفاً بغير المقدور كأحوال الحشر والنشر ومعرفة الأنبياء والمعارف الغيبيّة التي لولا لحوق البيان بها يلزم التكليف بغير المقدور ، إذ لا طريق لمعرفتها ، وأين هذا من ترك مشتبه الحرام الذي أمر مقدور بالنسبة إلى المكلّف الملتفِت ، المحتمِل للحرمة.
الآية الثالثة : الإضلال فرع البيان
قال سبحانه : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذ هَدَاهُم حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم ). (١)
وجه الاستدلال : أنّ التعذيب من آثار الضلالة ، والضلالة معلّقة على البيان في الآية ، فيكون التعذيب معلّقاً عليه ، فيُنتج أنّه سبحانه لا يُعاقب إلا بعد بيان ما يجب العمل أو الاعتقاد به.
فإن قلت : ما هو المراد من إضلاله سبحانه ، فإنّ الإضلال أمر قبيح فكيف نسب إلى اللّه سبحانه؟!
قلت : إنّ الإضلال يقابل الهداية وهي على قسمين ، فيكون الإضلال أيضاً
__________________
١. التوبة : ١١٥.