( وَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْب مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين ) (١). وعلى هذا فالنبي تحدّى بكلّ سورة من سور القرآن دون فرق بين نصّه وظاهره.
فإن قلت : يكفي في ثبوت رسالته سائر معاجزه ، فإذا ثبتت نبوته بهذا ، يكون قوله حجّة في تفسير كتابه وصحيفته.
قلت : إنّ معنى ذلك عدم صحّة التحدّي بالكتاب وهو مردود بنفس الكتاب العزيز.
والحاصل : انّ تحدِّي النبي في صدر عصر الرسالة بنفس القرآن قبل أن تثبت رسالته وحجّية قوله ، دليل على أنّ القرآن أمر مفهوم وحجّة على المخاطب في كشف مفاهيمه وحقائقه.
نعم لا يحيط بكلّ حقائق القرآن وشؤونه سوى المعصوم ، ولكن الإحاطة به من جميع الجهات شيء ، ودرك ما يتوقف عليه التصديق بإعجازه شيء آخر ، والأوّل يختص بالمعصوم دون الثاني.
ولك أن تستنتج من هذا البرهان الذي أُقيم على حجّية الظواهر ، أمراً آخر ـ له مساس بالجهة الأُولى من الجهات الأربع ـ وهو انّه لو كانت دلالة الظواهر ظنّية ، لزم أن يكون القرآن معجزة ظنية ، لأنّ الإعجاز أمر قائم باللفظ والمعنى ، فلو كان ما يفهمه من ظواهر آياته ، مفهوماً ظنياً ، يكون إعجازه مبنياً على أساس ظني ، والنتيجة تابعة لأخسّ المقدمات ، والإعجاز الظني لا يكون عماداً للنبوة التي تطلب لنفسها دليلاً قطعياً.
__________________
١. البقرة : ٢٣.