قلت : إنّ الاحتجاج ـ في المقام ـ على حجّية القرآن إنّما هو بنصوصه لا بظواهره ، والأخباري إنّما يمنع حجّية ظواهره لا حجّية نصوصه.
الثاني : تحدّي النبي بالقرآن
إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تحدّى الناس بالقرآن ، والتحدّي يتوقف على فهم الكتاب ودركه ثمّ مقايسته بالكتب الأُخرى ثمّ القضاء بأنّه فوق كلام البشر ، ولا يخطو الإنسان هذه المراحل إلا إذا كان القرآن كلاماً مفهوماً وحجّة على المخاطب ، فلو كان فهمُ القرآن منوطاً بتفسير الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لزم منه الدور ، فانّ ثبوت رسالته متوقف على إعجاز القرآن ، وهو متوقف على فهمه ، وفهمه متوقف على تفسيره ، وتفسيره متوقف على حجّية قوله ، وهو متوقف على ثبوت رسالته التي هي متوقفة على إعجاز القرآن.
على ذلك فليس فهم القرآن رهن تفسيره ، غاية الأمر بما أنّ مقتضى التشريع فصل المخصِّصات والمقيِّدات عن المطلقات والعمومات فلا يحتج بها إلا بعد الرجوع إلى المقيّدات والمخصصات في السنَّة.
وقد فهم الوليد بصفاء ذهنه وصميم عربيته انّ بلاغة القرآن خارجة عن طوق القدرة البشرية وقال ـ لماّ سمع آيات من سورة فصلت من الرسول الأعظمـ : لقد سمعت من محمّد كلاماً لا يُشبه كلام الإنس ولا كلام الجنّ ، وإنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وهو يعلو ولا يعلى عليه. (١)
فإن قلت : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتحدّى بنصوص القرآن لا بظواهره.
قلت : هذا إنّما يصحّ لو لم يتحدّ القرآن بكلّ الآيات ، قال سبحانه :
__________________
١. مجمع البيان : ٥ / ٣٨٧ ، ط صيدا.