فنقول : فقول اللغوي ـ على هذا ـ وإن لم يكن حجّة ، لكن الرجوع إلى معاجم معدودة أُلّفت بيد فطاحل اللغة ، يورث الوثوق بمعنى اللفظ عند التجرّد عن القرينة ، فلا محيص عن الرجوع بتلك الغاية ، نعم على هذا لا يكون قول اللغوي حجّة ولكن يكون الرجوع إلى المعاجم ذات أهمية كبيرة.
ثمّ إنّ سيّدنا الأُستاذ أورد على السيرة بعدم حجّيتها لعدم وجودها في زمن المعصومين عليهمالسلام ، لأنّ الرجوع إلى كتب اللغويين أمر حادث بعدهم. (١)
يلاحظ عليه بأمرين :
أوّلاً : أنّه إذا أطبق العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة ، وكان الرجوع بمرأى ومسمع من الشارع ، كفى ذلك في تصحيح الرجوع إلى أهل اللغة وإن لم يكن المصداق موجوداً في عصرهم ، وإلا يلزم عدم حجّية رأيهم في المصاديق الجديدة في باب المعاملات والجنايات وهو كما ترى.
ثانياً : أنّ تاريخ الأدب العربي يكشف عن وجود السيرة في صدر الرسالة ، وقد كان ابن عباس مرجعاً في تفسير غريب اللغة وقد سأله نافع بن الأزرق عن لغات القرآن مايربو على مائة وسبعين مورداً ، فأجاب على الجميع مستشهداً بشعر العرب ، وقد نقل الجميع السيوطي في إتقانه ، وكان يقول : إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ، فانّ الشعر ديوان العرب. (٢)
أضف إليه انّ الأجانب كانوا يتعلمون معاني الألفاظ ومفاهيمها من أهل اللغة ، فحجّية رأي أهل اللسان في بيان معاني الألفاظ ، يوجب حجّية قول اللغوي خصوصاً إذا كان من أهل اللسان.
الوجه الثالث : ما أشار إليه الشيخ الأنصاري من انسداد باب العلم
__________________
١. تهذيب الأُصول : ٢ / ٩٧.
٢. الإتقان : ١ / ٣٨٢ ـ ٤١٦.