تبارك وتعالى ، وأنّ كلّ تشريع لم يكن بإذنه فهو افتراء على اللّه وبدعة ، وليس على الناس إلا الحكم بما أنزل اللّه ، ومن حكم بغيره فهو كافر وظالم وفاسق. (١)
قال سبحانه : ( إِنِ الحُكْمُ إِلاّ للّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفاصِلِين ). (٢)
ومع هذا التصريح فكيف يكون للبشر الخاطئ غير الواقف على المصالح والمفاسد حقّ التشريع على الإنسان على وجه يكون نافذاً ، إلى يوم البعث؟!
نفترض أنّ لفيفاً من الصحابة بذلوا جهوداً فوصلوا إلى أنّ المصلحة تكمن في أن يكون حكم الواقعة هو هذا ، أفهل يكون إجماعهم على ذلك الحكم ـ دون أن يكون مستمداً من كتاب أو سنّة ـ حجّة على البشر إلى يوم القيامة ، لو لم نقل انّ اتّفاقهم على الحكم عندئذ بدعة وافتراء على اللّه؟!
وثانياً : أنّ عطف الإجماع على المشورة من الغرائب ، فإنّ النبي كان يستشير أصحابه في الموضوعات العرفيّة التي ليس للشارع فيها حكم شرعي ، وإنّما ترك حكمها إلى الظروف والملابسات وإلى الناس أنفسهم ، حتى نجد انّ أكثر مشاورات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت تتم في كيفية القتال والذبّ عن حياض الإسلام.
فهذا هو رسول اللّه يشاور المسلمين في غزوة بدر قبل اصطدامهم بالمشركين ، وقال : أشيروا عليّ أيّها الناس ، وكأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد أن يقف على رأي أصحابه في السير إلى الأمام وقتال المشركين ، أو الرجوع إلى الوراء ، ولم يكن في المقام أيّ حكم مجهول حاول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يستكشفه عن طريق المشاورة ، وكم فرق بين المشاورة في الموضوعات العرفية والمشاورة لكشف حكم شرعي منوط بالوحي؟
__________________
١. راجع سورة المائدة : الآيات : ٤٤ و ٤٥ و ٤٧.
٢. الأنعام : ٥٧.