وهذه الآية هي التي تمسّك بها الشافعي على حجّية الإجماع في رسالته أُصول الفقه.
ووجه الاستدلال : هو انّ اللّه يعد اتّباع غير سبيل المؤمنين نوعاً من مشاقّة اللّه ورسوله ، وجعلَ جزاءهما واحداً وهو الوعيد حيث قال : ( نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ) فإذا كانت مشاقّة اللّه ورسوله حراماً كان اتباعُ غير سبيل المؤمنين حراماً مثله ، ولو لم يكن حراماً لما اتحدا في الجزاء ، فإذا حرم اتّباع غير سبيلهم فاتباع سبيلهم واجب ، إذ لا واسطة بينهما ، ويلزم من وجوبِ اتباع سبيلهم كونُ الإجماع حجّة ، لأنّ سبيل الشخص ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد. (١)
يلاحظ على الاستدلال بوجوه :
الأوّل : انّ الامعانَ في الآية يُرشدنا إلى أنّ ثمة طائفتين :
الأُولى : من يشاقق الرسول ويعانِدُه ويتّبع سبيل الكافرين فاللّه سبحانه يولّيه ما تولّى ويصله جهنم.
الثانية : من يحبُ الرسول ويتّبع سبيل المؤمنين فيعامل معه على خلاف الطائفة الأُولى.
ثمّ إنّ سبيل الكافرين عبارة عن عدم الإيمان به ومعاندته ومحاربته ، وسبيل المؤمنين على ضدّ سبيلهم ، فهم يؤمنون به ويحبّونه ، وينصرونه في سبيل أهدافه.
فاللّه سبحانه يذمُّ الطائفةَ الأُولى ويمدح الطائفةَ الثانية ، وعندئذ أيُّ صلة للآية بحجّية اتفاق المجتهدين في مسألة من المسائل الفرعية؟
وبعبارة أُخرى : يجب علينا إمعان النظر في قوله سبحانه : ( وَيَتَّبِعْ غير سَبيلِ المُؤْمِنين ) بُغية تبيين سبيل المؤمن والكافر ، فسبيل الأوّل هو الإيمان باللّه
____________
١. أُصول الفقه الإسلامي : ١ / ٥٤٠.