فيكون قولهم حجّة. (١)
يلاحظ على الاستدلال : أوّلاً : انّ « الوسط » بمعنى العدل ، فالآية تصف الأُمّة الإسلامية بالوسطيّة ، إمّا لأنّهم أُمّة متوسطة بين اليهود المفرّطين في حقّ الأنبياء حيث قتلوا أنبياءهم ، والنصارى الغلاة في حقّهم حتى اتّخذوا المسيح إلهاً ، أو انّهم أُمّة متوسطة بين اليهود المكبَّة على الدنيا ، والنصارى المعرضة عنها لأجل الرهبانية المبتدعة ، وأيّ صلة لهذا المعنى بحجّية رأي الأُمّة في مسألة فقهية؟
ثانياً : نفترض انّ الأُمّة الإسلامية خيار الأُمم وأفضلها لكنّه لا يدل على أنّـهم عدول لا يعصون ، ولايدل على أنّهم معصومون لا يخطأون ، والمطلوب في المقام هو إثبات عصمة الأُمّة ، كعصمة القرآن والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى يكون ما أجمعوا عليه دليلاً قطعيّاً ، مثلَ ما ينطِقُ به الكتابُ والنبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم والآية لا تدل على عصمتهم.
وكون خبر العادل حجّة ، غير كون الإجماع حجّة ، فإنّ الحجّة في الأوّل بمعنى كونه منجِّزاً إنْ أصاب ، ومعذِّراً إنْ أخطأ ، لا كونه مصيباً للواقع على كلّ حال ، وهذا بخلاف كون الإجماع حجّة فإنّ معنـاه ـ بحكم عصمـة الأُمّــة ـ انّه مصيب للواقع بل نفسه والحكم قطعي.
ثالثاً : انّ وصف الأُمّة جميعاً ، بالخيار والعدل ، مجاز قطعاً ، فإنّ بين الأُمّة من بلغ من الصلاح والرشاد إلى درجة يُستدرّ بهم الغمام ، ومن بلغ في الشقاء أعلى درجته فخضّب الأرض بدماء الصالحين والمؤمنين ، ومع ذلك كيف تكون الأُمّة بلا استثناء خياراً وعدلاً ، وتكون بعامّة أفرادها شهداء على سائر الأُمم ، مع أنّ كثيراً منهم لا تقبل شهادتُهم في الدنيا فكيف في الآخرة؟!
__________________
١. أُصول الفقه الإسلامي : ١ / ٥٤٠.