بعزيز ، فقد نزلت بعض الآيات مرّتين ، مثل قوله سبحانه : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ). (١)
كما يمكن الذبّ عنه بوجه آخر وهو : انّ للآية بعدين يتعلّق واحد منهما بأمر الجهاد والآخر بتحصيل العلم والتفقّه ، والأوّل منهما معلوم من سياق الكلام ، والآخر بعد مجهول يعلم من تفسير الأئمّة وتبيينهم ، ولا مانع من أن يكون لبعض الآيات بعدان أحدهما معلوم والآخر مجهول يحتاج إلى التنبيه.
ثمّ إنّ العلاّمة الطباطبائي فسّر الآية بوجه يتّحد مع هذا الوجه ، ولكن لا ترد عليه مشكلة عدم انطباقه على سياق الآيات ، وإليك بيانه وإن شئت فاجعله رابع الوجوه.
الرابع : انّ الآية تنهى مؤمني سائر البلاد غير مدينة الرسول ، أن ينفروا إلى الجهاد كافة ، بل يحضهم على أن تنفر طائفة منهم إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للتفقّه في الدين ، وينفر غيرهم إلى الجهاد ، ومعنى الآية انّه لا يجوز لمؤمني البلاد أن يخرجوا إلى الجهاد جميعاً ، فهلاّ نفر وخرج إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم طائفة من كلّ فرقة من فرق المؤمنين يتعلموا الفقه ويفهموا الدين فيعملوا به ، ولينذروا ـ بنشر معارف الدين ـ قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلّهم يحذرون. (٢)
وعلى ذلك ، فتنفر طائفة للتفقّه ، في الوقت الذي تنفر طائفة أُخرى للجهاد ، فعندما قضيا حاجتهما يتلاقيان في موطنهما للإنذار والحذر. فتكون للآية صلة بالجهاد ، وصلة بالتفقّه.
ولا يخفى انّ سياق الآية انّ هنا نفراً واحداً تقوم به طائفة واحدة لغاية واحدة ، لا نفرين تقوم بهما طائفتان لغايتين مختلفتين ، كما هو صريح كلامه ،
__________________
١. الضحى : ٥.
٢. الميزان : ٢ / ٤٢٨ بتصرف يسير.