الثالث : انّ الخطاب لمؤمني سائر البلاد ، والمراد من النفر ، النفر إلى المدينة للتعلّم والتفقه ، وعليه يجب أن ينفر من كلّ قبيلة ، طائفة للتفقّه في حضرة النبي لغاية إنذار قومهم عند الرجوع.
ومزية هذا الوجه ، التحفظ على وحدة مراجع الضمائر المتصلة وخلوه عن الإشكالات الثلاثة المتوجهة إلى الوجه الأوّل ، غير انّ لازمه الاختزال وقطع الصلة الآيات ، وهو ليس بأمر سهل.
نعم تؤيده روايات كثيرة مذكورة في التفاسير الروائية.
١. روى الصدوق في عيون الأخبار عن الرضا عليهالسلام ـ عند بيان علل الحج ـ : انّ منها التفقّه ونقل أخبار الأئمة عليهمالسلام إلى كلّ صقع وناحية ، كما قال اللّه عزّوجلّ : ( فَلَولا نَفَرَمِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَة ... ). (١)
٢. وروى عنهم عليهمالسلام في تفسير قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اختلاف أُمّتي رحمة » : انّ المراد اختلافهم إلى البلدان ، وأنّ الرسول أراد من قوله : « اختلاف أُمّتي رحمة » ، قول اللّه عزّوجلّ : ( فَلَولا نَفَرَمِنْ كُلِّ فِرْقَة ... ). (٢)
وهذا الوجه أتقن الوجوه ، وهو دليل على لزوم تأسيس الحوزات العلمية في البلدان لينتقل إليها طلاب العلم وبغاة الفضيلة حتى يتفقّهوا فيها ويرجعوا إلى بلدانهم للإنذار.
ولكن يرد عليه : أنّه على خلاف سياق الآية ، فالآية واردة في ضمن آيات الجهاد ، فكيف يمكن أن تكون مشيرة إلى هذا المعنى؟
نعم يمكن الذبّ عن هذا الإشكال : إمّا بالالتزام بنزول هذه الآية مرتين : مرة في ثنايا آيات الجهاد ، ومرّة أُخرى مستقلة ومنفصلة عن آياته ، وليس ذلك
__________________
١. نور الثقلين : ٢ / ٢٨٣ ، الحديث ٤٠٧ والحديث منقول عن الفضل بن شاذان ، انّه عن الرضا عليهالسلام.
٢. المصدر نفسه : الحديث ٤٠٨.