قوله ( فِطَرت اللّه ) عطف بيان أو بدل من الدين ، نصب بفعل مقدر ، مثل أعني أو أخص ، وإلا لكان الواجب أن يكون مجروراً بحكم البدلية ، ولازم ذلك أن تكون معرفته سبحانه أمراً فطرياً وخلقياً ، لا يقبل القصور كسائر الأُمور الوجدانية.
والظاهر انّ الآية أوضح ما في الباب ، وهي تدل على عدم وجود القاصر في معرفة الرب ، وانّ للعالم خالقاً وصانعاً ، وانّه واحد لا شريك له في ذاته ، وهو أمر لا يقبل القصور إلا إذا عاند الإنسان فطرته وأنكر وجدانه لغاية مادية كالانحلال من القيود الشرعية ، ولأجل ذلك لا يبعد ادّعاء عدم وجود القاصر في باب التوحيد.
إنّما الكلام في غيره كباب النبوة والإمامة والمعاد ، والآية لا تدل على عدم وجود القصور فيها بشهادة انّ قوله : ( حَنيفاً ) تدل على أنّ التوحيد هو الموافق للفطرة لا الشرك.
نعم ، أكثر الكبريات الواردة في مجال الفروع أُمور فطرية كالدعوة إلى الزواج وإكرام الوالدين ورد الأمانة وحرمة الخيانة لكن الكلام في الأُصول لا الفروع.
٥. دلّت العمومات على حصر الناس في المؤمن والكافر.
ودلّت الآيات على خلود الكافرين بأجمعهم في النار.
ودلّ الدليل العقلي بقبح عقاب الجاهل القاصر.
فإذا ضم الدليل العقلي إلى العمومات المتقدمة ينتج عدم وجود القاصر في المجتمع الإنساني ، لأنّ ما في المجتمع بين مؤمن وكافر وكلّ كافر محكوم بالعذاب ولا تصدق الكبرى إلا مع عدم وجود الكافر الجاهل القاصر فيهم ، وإلا لخص بغير القاصر وهو خلاف الظاهر.
يلاحظ عليه : أنّ حصر الخلق في المؤمن والكافر غير حاصر لوجود الواسطة