يلاحظ عليه : أنّ الآية بصدد بيان الملازمة بين المتمكن من الجهاد والهداية والملازمة بينهما مسلمة ، وأمّا غير المتمكن كالقاصر فهو خارج عن الآية كخروج المجانين والأطفال الذين يتوفون في صباهم.
وربما يجاب عن الاستدلال بالآية بأنّ المراد هو مجاهدة النفس ، والمراد هو الجهاد النفسي لا الجهاد في سبيل معرفة الرب وشتان ما بينهما ، ولكنّه غير خال عن التأمل ، لأنّ هذه الآية وما قبلها تقسم الناس إلى أصناف ثلاثة :
الصنف الأوّل : المفتري على اللّه.
الصنف الثاني : المجاهد في سبيله.
الصنف الثالث : المحسن.
أمّا الأوّل : فوصفهم سبحانه بقوله : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرين ) (١) وهذه الطائفة خارجة عن طريق الحقّ لا تُرجى هدايتهم ووصولهم إلى الحقّ ، بل كلّما ازدادوا سيراً ازدادوا بعداً وجهلاً.
والثاني : يهديهم ربّهم إلى سبله لقوله سبحانه : ( لنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنا ) فمن أخطأ فلتقصير منه ، إمّا لعدم إخلاصه في السعي ، أو لتقصيره فيه.
والثالث : وصلوا إلى قمّة الكمال في حقلي الإيمان والعمل وصاروا مع اللّه سبحانه لقوله : ( وانّ اللّه لَمَعَ الُْمحْسِنين ).
ومع ذلك فكيف قُصِّر مفاد الآية بالجهاد مع النفس مع ظهور إطلاقها؟!
٤. قوله سبحانه : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّه الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاس لا يَعْلَمُون ) (٢) فانّ
__________________
١. العنكبوت : ٦٨.
٢. الروم : ٣٠.