٥. في وجود الجاهل القاصر وعدمه
لا شكّ في وجود الجاهل القاصر ، إمّا لقلة الاستعداد وغموض المطلب أو وجود الغفلة وعدم احتمال خلل في معتقده ، كما هو المشاهد في كثير من النساء والرجال ، وعلى ذلك فالجاهل القاصر معذور لقصوره أو غفلته.
نعم إنّما يكون معذوراً وغير معاقب على عدم معرفة الحقّ إذا لم يكن يعانده بل كان ينقاد له لو عرفه.
وربما يتصور عدم وجود الجاهل القاصر في العقائد لوجوه قاصرة :
١. الإجماع على أنّ المخطئ في العقائد غير معذور ، وصحّة الإطلاق يتوقف على عدم وجود القاصر ، وإلا لبطل مع كون القاصر معذوراً.
يلاحظ عليه : أنّ مصبَّ الإجماع هو الجاهل المتمكن ، فلا يدل إطلاقه على عدم وجود القاصر.
٢. انّ المعرفة غاية الخلقة ، فلو قلنا بوجود الجاهل القاصر يلزم نفي الغاية مع أنّها لا تنفك عن فعل الحقّ سبحانه.
قال تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْس إِلاّليَعْبُدُون ). (١)
يلاحظ عليه : أنّ الغاية غاية للنوع لا لكلّ فرد لبداهة وجود المجانين والأطفال الذين يتوفون في صباهم.
٣. قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللّهَ لَمَعَ الُْمحْسِنِين ) (٢) حيث جعل الملازمة بين المجاهدة والهداية التي هي المعرفة ، فلو لم يكن الطرفان ممكنين لم تصح الملازمة فعدم هداية الجاهل القاصر لعدم جهاده.
__________________
١. الذاريات : ٥٦.
٢. العنكبوت : ٦٩.