الأُولى على مقدار التربّص وهو تربّص الحول ، والأُخرى على أربعة أشهر وعشراً ، وبما أنّه لا موضوع للترجيح ، فيدخل الزائد على المقدار المتيقن فيما لا حجّة فيه ، فيرجع إلى أصل البراءة.
أمّا الثاني : ففيما إذا كانت النسبة بين الخبرين عموماً وخصوصاً من وجه ، كما في قوله : أكرم العلماء ، ولا تكرم الفسّاق ، حيث يتعارضان في مجمع العنوانين ، فلا يرجع في مثله إلى الأخبار العلاجية ولا إلى أخبار التخيير ، بل يدخل فيما ليس فيه حجّة ، فإن كان هناك عام فوقهما يرجع إليه وإلا فإلى الأصل.
السابع : الظاهر انّ النزاع بين الأُصولي والأخباري في المقام صغروي ، فهما متّفقان على أنّ العقاب فرع البيان ، لكن الأخباري يدّعي ورود البيان عن طريق أخبار الاحتياط والأُصولي ينكره ، وبذلك يعلم انّ الكبرى غنية عن البحث والإطناب.
الثامن : انّ في الكتب الأُصولية للقدماء مسألة باسم هل الأصل في الأشياء ، الحظر أو الإباحة؟ (١) وقد حلّ محلها في كتب المتأخرين مسألة البراءة والاشتغال فهل هما مسألتان أو مسألة واحدة؟
والجواب : انّهما مسألتان لاختلاف موضوعهما مثل اختلاف جهة البحث فيهما ، فالموضوع في المسألة الأُولى ، هو الأشياء بما هي هي ، هل الأصل فيه الحرمة والتصرف يحتاج إلى الإذن أو بالعكس بشهادة انّهم يقسمون الأفعال إلى ما يستقل العقل بقبحه ، أو بحسنه ، وإلى ما يتوقف العقل في تحسينها أو تقبيحها ، فيختلفون في القسم الثالث إلى أقوال ثلاثة : الحظر ، والإباحة ، والوقف.
فعلى الأوّل تنحصر وظيفة الأنبياء في بيان المحلّلات ، وعلى الثاني على بيان المحرّمات ، فعند عدم النص على واحد من الطرفين يحكم عليه بالحرمة الواقعية
__________________
١. لاحظ التذكرة بأُصول الفقه للشيخ المفيد : ٤٣ ؛ والذريعة : ٢ / ٨٠٨ ؛ والعدة : ٢ / ٧٤١.