والأولى أن يجاب عن أصل الإشكال بوجهين آخرين :
الأوّل : انّ الهدف من الاستدلال بالآية ليس إثبات عدم الاستحقاق ليكون موافقاً لما يحكم به العقل من قبح العقاب بلا بيان ، بل الهدف تحصيل المؤمِّن لمرتكب الشبهة سواء أكان مستحقاً للعقاب لكنّه صار معفوّاً أو لم يكن ، وظاهر الآية كفيل بإثبات مثل هذا.
والحاصل : انّ البحث في المقام ليس كلامياً دائراً مدار الاستحقاق وعدمه ، بل أُصولي يدور حول المؤمّن للعذاب والمسوّغ للارتكاب وعدمهما ، والآية وافية بإثباتهما.
وبذلك يعلم ضعف ما أفاده المحقّق النائيني من أنّ الاستدلال بالآية المباركة على البراءة لا يجتمع مع القول بأنّ مفادها نفي فعلية التعذيب لا استحقاقه ، لأنّ النزاع في البراءة إنّما هو في استحقاق العقاب على ارتكاب الشبهة وعدم استحقاقه لا في فعلية العقاب. (١)
أقول : إنّ ما يهمّ الفقيه هو تحصيل المسوّغ لارتكاب مشتبه الحرمة ، وتحصيل المؤمّن من العذاب ، ويصلح لإثباته ، ما دلّ على نفي الفعليّة وإن لم يدل على نفي الاستحقاق.
الثاني : انّ الآية ظاهرة في نفي الاستحقاق خصوصاً إذا فسر قوله : ( وما كُنّا ) بمعنى نفي الإمكان ، وما هذا إلا لأجل عدم استحقاقه العذاب مالم يصل إليه البيان.
٤. النقض بالمستقلات العقلية كقبح الظلم نظير النفس والخيانة بالأمانة حيث يصحّ العذاب وإن لم يكن هناك بلاغ سماوي.
__________________
١. فوائد الأُصول : ٣ / ٣٣٤.