ففسر الشيء ، بما هو هو ، من دون وصفه بمجهول الحكم ، والإطلاق بالإباحة الواقعية والورود بالصدور من قلم التشريع لا الوصول إلى يد المكلف.
فعلى نظرية الشيخ ، فالرواية ناظرة إلى بيان حكم مشتبه الحرمة والحلية ، وعلى نظر المحقّق الخراساني ناظرة إلى بيان حكم الأشياء قبل تشريع الشرائع أو الشريعة المحمدية.
وإليك تحليل النظريتين في الموارد الثلاثة :
أمّا الأوّل : فلا يمكن اختيار واحد من القولين إلا بلحاظ الأمرين الأخيرين.
أمّا الثاني : فنظر الشيخ هو الأقرب ، لأنّ الإمام بصدد الإفتاء ورفع حاجة المكلّفين في حياتهم ، ولا يتم ذلك إلا بتفسير الإطلاق بالإباحة الظاهرية ، وذلك لأنّ تفسيره بالإباحة الواقعية للأشياء قبل الشرائع أو قبل مجيئ الرسول الأعظم ، يوجب كون الإمام بصدد بيان مسألة كلامية ، لا مسألة فقهية مفيدة لحال المتكلّم إلا بضمّ الأصل وبقاء الإباحة قبل الشرع ، وهو كما ترى.
وأمّا الثالث : فالقرائن تشهد على أنّ المراد ، هو الوصول إلى المكلّف لا الصدور من قلم التشريع ولو لم يصل. وذلك أوّلاً : أنّه استعمل الورد في القرآن في الوصول قال سبحانه : ( وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ ) (١) أي وصل إلى الموضع الذي فيه ماء باسم « ماء مدين ».
وثانياً : أنّ اللغة يفسره بمعنى الحضور والإشراف حتى أنّ الورود في مصطلح البلاد العربية شيء يقابل الصدور يستعملون الاستيراد مقابلاً للتصدير ؛ فجلب الأمتعة من خارج البلد إلى داخل البلد ، هو الاستيراد ، وعكسه هو التصدير.
__________________
١. القصص : ٢٣.