الاجتناب المترتب على الملاقي ، فهل يترتب على ملاقي أحد الأطراف أو لا؟ واستنباط حكمه رهن الوقوف على حكم ملاقي النجس الواقعي ، فهل الاجتناب عنه من جهة انّه من شؤون الاجتناب عن النجس وليس هنا تعبد وراء التعبد بلزوم الاجتناب عن النجس ، أو انّه موضوع مستقل له حكم خاص وامتثال وعصيان مستقل ، نسب الأوّل إلى ابن زهرة والثاني إلى المشهور؟
وقد استدل للقول الأوّل بوجهين
الأوّل : قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا المُدَّثِر * قُمْ فَانْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّر * وَثِيابَكَ فَطَهِّر * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ). (١)
قال ابن زهرة قوله : ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) وقوله : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة ) (٢) يقتضي تحريم استعمال الماء المخالط للنجاسة مطلقاً. (٣) ترى أنّه استدل على تحريم استعمال الماء المخالط للنجاسة ، بما دلّ على لزوم هجرها ، فالآية تدل على هجر نفس العين النجسة ، لكنّه جعلها دليلاً على هجر مخالطها أيضاً.
أقول : إنّ الرِّجْز ـ بكسر الراء ـ ورد في القرآن الكريم تسع مرّات ، أُريد منه في ثمانية موارد ، العذاب ; وفي مورد واحد ، القذارة ، وهي أثر الاحتلام الذي ابتلى به بعض الحاضرين في وقعة بدر ، قال سبحانه :
( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطان ). (٤)
__________________
١. المدثر : ١ ـ ٥.
٢. المائدة : ٣.
٣. الغنية : ١ / ٤٦ ، الطبعة المحقّقة.
٤. الأنفال : ١١.