المقام الثاني : في مفاد دليل التنزيل
قد عرفت أنّ الكلام يقع في مقامين : أحدهما : في إمكان تنزيل الأمارة منزلة القطع الطريقي ، والقطع الموضوعي الطريقي بتنزيل واحد; ثانيهما : في استظهار مقدار دلالة الدليل ، وقد عرفت أنّ المحقّق الخراساني ذهب إلى الامتناع العقلي في المقام الأوّل فلم يعقد بحثاً للمقام الثاني ، ولكنّك عرفت إمكانه. إنّما الكلام في مقدار دلالة الدليل.
والاستظهار من الدليل فرع أن يكون للشارع دور في باب الأمارات وتنزيلها مكان القطع حتى يبحث في جهة التنزيل وانّه هل هو لأجل الحجّية أو المدخلية في الموضوع ، لكن الحقّ انّه ليس للشارع في باب الأمارات ، جعل ولا تنزيل سوى إمضاء ما بيد العقلاء ، وسيوافيك في محلّه انّ عامة ما استدل به على حجّية الخبر الواحد راجع إلى بيان الصغرى وانّ فلاناً ثقة أو لا ، دون الكبرى وكأنّها كانت عندهم محرزة وثابتة.
وعلى ضوء ذلك يظهر أمران :
١. انّ العمل في مورد القطع الطريقي المحض بالأمارة ليس من باب تنزيله مكان القطع ، بل لكونه طريقاً كالقطع وحجّة مثله ، لا انّه منزل منزلته ولا يظهر من أدلّة الإمضاء سوى كونها حجّة ، لا نازلة منزلته.
٢. قيامه مكان القطع الموضوعي يتوقف على وجود جهة جامعة قريبة بينهما ، فإن أخذ في الموضوع بما هو كاشف تام يرفض كلّ احتمال مخالف ، فلا يكفي دليل الإمضاء في قيام الأمارة مكان القطع لانتفاء الحيثية التي لأجلها أخذ في الموضوع في الأمارة وإن أخذ بما انّه أحد الكواشف ، فيقوم مكانه ، لأنّ نسبة القطع والأمارة إلى الحيثية المسوغة لأخذه في الموضوع ، سواسية.