قلت : ليس الهدف من الاستصحاب في المثالين المذكورين إسراء حكم من عنوان ( الماء المتغيّر ) إلى عنوان آخر ( الماء غير المتغيّر ) حتى يكون من باب القياس ، كما أنّه ليس الهدف إسراء حكم الحرمة من العصير العنبي إلى العصير الزبيبي ، فانّ ذلك أشبه بالقياس ولا نقول به.
بل الهدف تسرية الحكم بعد انطباقه على الخارج من موضوع واجد لبعض الخصوصيات إلى موضوع فاقد لها ، بشرط أن تكون الخصوصية عند العرف بالنسبة إلى الموضوع الخارجي معدودة من الحالات لا من المقوّمات ، وذلك بالبيان التالي :
إنّ الحكم الشرعي ، أعني : الماء المتغير نجس ، غير قابل للاستصحاب إلى موضوع آخر ، أعني : الماء إذا زال تغيره ، لأنّ الموضوعين متغايران والمفاهيم مثار الكثرة ، ولكن بعدما انطبق الدليل الكلي على ماء خارجي يكون الموضوع للاستصحاب هو المصداق الخارجي وهو هذا الماء لا العنوان الكلي ، وعندئذ يتخذ الفقيه المصداق الخارجي موضوعاً للحكم ، فلو كان التبدّل معدوداً من عوارض الموضوع وحالاته يشير إلى ذلك الموضوع ( لا إلى العنوان الكلي ) ويقول : كان هذا محكوماً بالنجاسة والأصل بقاؤه.
وبذلك يظهر صحّة الاستصحاب في العصير العنبي ، فليس الهدف إسراء حكم العنب إلى الزبيب ، فإنّه قياس واضح.
نعم لمّا انطبق الدليل الأوّل على مصداق خارجي وعنب معين ، يتخذه الفقيه موضوعاً ويشير إليه بهذا ويقول : كان هذا في بعض الحالات ( عندما كان رطباً ) إذا غلى يحرم ، والأصل بقاء حكمه عند ارتفاع تلك الحالات ، والمستشكل خلط بين الأمرين إسراء حكم من عنوان إلى عنوان آخر ، وبين إسراء حكم موضوع خارجي انطبق عليه الدليل في بعض الحالات ، إلى الحالة التي فقدها ولم تكن الحالة من مقوّماته فالأوّل قياس والثاني ليس من قبيله بل يعد استصحاباً.