ببعث الرسل الحجّة على العباد ، فلا عذر لهم في ترك ما أمروا به ، وفعل ما نهوا عنه ، فهو سبحانه يحتج عليهم بما بلّغه أنبياءهم ورسلهم ، فليس لهم الصفح عن تلك الحجج بترك التعلم والفحص عن الحكم الشرعي والتمسك بإطلاق قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون » أو : « انّ الناس في سعة ما لا يعلمون » من غير فرق بين مَنْ لم يتعلم شيئاً ، أو تعلم أشياء وشكّ في مورد خاص ، فلا محيص عن إنكار الإطلاق أو انصرافه إلى ما بعد الفحص ، وإلا يلزم الأمر بأمرين متنافيين فمن جانب يأمر الرسل ، بالتبشير والإنذار ، ومن جانب يرخّص في ترك التعلم ويعدُّ جهل العباد عذراً لهم ولا محيص في مقام الجمع عن حمل الحديثين وما أشبهها ، على ما إذا تفحّص ولم يعثر على شيء ، فبما أنّه أدّى الوظيفة ، فلو كان هناك بيان فهو معذور في تركه ، لأنّه سبحانه رفع عن الأُمّة ما لا يعلمون ، ولم يلزمهم بالاحتياط.
وإن شئت قلت : إنّ حديث الرفع وأمثاله ، حديث امتنان ، فأيّ امتنان للجاهل بالإذن له في البقاء على الجهل؟ أليست الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ، وإقرار الجاهل على جهله ، مفوّت للمصلحة أو موقع له في المفسدة؟ ولأجل ذلك لا مناص من القول بانصراف أدلّة الأُصول كلّها عن مثل المتمكن من التعلم.
الثاني : المورد قبل الفحص شبهة مصداقية
إنّ المراد من « عدم العلم » المأخوذ موضوعاً في لسان أدلّة البراءة ليس العلم المنطقي ، أعني : الاعتقاد الجازم ، بل المراد الحجّة ، كما هو الحال في لفظ « اليقين » ، الوارد في أدلّة الاستصحاب فالمعنى رفع عن أُمّتي ما لم تقم الحجّة عليه ، ومن المعلوم أنّ الحجّة هو الكتاب والسنّة ، فإذا لم يرجع إليهما مع التمكن ، يكون المورد شبهة مصداقية لأدلّة البراءة ، لأنّه يشك في كونه ممّا قامت به الحجّة أم لم تقم ، ومنه