حال سائر الخلفاء والأئمّة الحقّ منهم والباطل ، ولا أقلّ من عزم كلّ الوُلاة والحُكّام على إطاعة سائر الأنام لهم ودخولهم في الإسلام ، فلِماذا سكتوا ولم يفعلوا ؟
على أنّ الحقّ الذي هو أصل مفاد هذا الذي حرّرناه ، واتّضح أيضاً مفصّلاً ممّا مرّ في أوّل الكتاب ـ لاسيّما في التبيان الذي ذكرنا فيه جريان عادة اللّه على الامتحان ـ أنّ الذي على النبيّ صلىاللهعليهوآله والإمام عليهالسلام ليس منوطاً بمحض قدرته عليه ، بل هو مشروط أيضاً باقتضاء (مصلحة الوقت)(١) فعليه أن يفعل في كلّ زمان وبالنسبة إلى كلّ فريق من الصدقان والعدوان ما يقتضيه المصلحة والامتحان ، كما ينادي بهذا ما جرت عليه عادة اللّه تعالى الحكيم القادر على كلّ شيءٍ من سكوته عن الفراعنة والظلمة (في الأعصار الماضية)(٢) وسائر كفرة أهل الأعصار زماناً ما إلى وقت إرسال الأنبياء عليهمالسلام إلى إنذارهم ، ثمّ إمهاله أيضاً إيّاهم في مدّة الإنذار مع صدور المخالفة والأذى منهم إلى أن اقتضت المصلحة نجاة المهتدين وهلاك المعتدين ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة ، وحيث لم يعلم بجميع المصالح إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، لم يكن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ولا أحدٌ من أئمّة الهدى يتصدّى لشيءٍ من أمثال هذه الأُمور إلاّ بعد ظهور الإذن من اللّه فيه ، وصريح ورود الأمر منه به ، كما قال اللّه عزّ وجلّ : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)(٣) ، وقال : (عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم
____________________
(١) بدل ما بين القوسين في «م» : «المصلحة للوقت» .
(٢) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .
(٣) سورة النجم ٥٣ : ٣ و٤ .