المعنويات اغتنم العدوّ الفرصة للترويج عن معتقداته ، فأطلق شعارات متعددة ضد عقيدة التوحيد ، كان من شأنها أن تغري البسطاء ، والضعفاء في الايمان وتؤثر فيهم ، وتزلزل إيمانهم. فليست هناك حالة لبثّ العقائد وتسريبها إلى النفوس أفضل من حالة الانهزام والنكسة ، والبلاء والمصيبة ، ففي حالة كهذه يبلغ الضعف النفسي لدى المصاب والمنكوب حدّا يفقد معه العقل سيطرته على الانسان بحيث يفقد على أثر ذلك قدرة التمييز بين الحق والباطل وفي هذه الصورة تصبح مسألة بثّ الدعايات السيئة وزرعها في النفوس واستثمارها مسألة بسيطة ، اذ يكون الانسان في هذه الحالة أكثر تقبلا وأيسر قبولا.
من هنا عمد أبو سفيان وعكرمة فرفعا أصناما كبيرة على الايدي بعد الحاق الهزيمة بالمسلمين ، وأظهروا الفرح والسرور وأخذوا ينادون بأعلى أصواتهم ـ مستغلين هذه الفرصة ـ : « اعل هبل ، اعل هبل »!!
ويعنون بذلك الشعار أن الانتصار الذي أحرزه المشركون إنما هو بفضل الصنم : هبل ، وبالتالي بفضل الوثنية التي تدين بها أهل مكة. ولو كان ثمة إله سواه ، وكانت عقيدة التوحيد على حق لانتصر المسلمون ، ولما خلص إليهم من المحنة ما خلص
فادرك رسول الله صلىاللهعليهوآله عمق الخطر الذي يكمن في الاسلوب الذي أخذ العدوّ يمارسه في مثل هذه اللحظة الحساسة ، وما سيتركه ذلك من أثر سيئ في النفوس ، وبخاصة الضعيفة منها. ولهذا تناسى كل أوجاعه ومصاعبه وأمر عليّا والمسلمين فورا بأن يجيبوا منادي الشرك بشعار مضاد قوي ، فقال : قولوا :
« الله أعلى واجلّ ، الله اعلى واجلّ ».
أي انّ هذه الهزيمة ليست نابعة من عقيدة التوحيد ، بل هي ناشئة من انحراف بعض الجنود عن أوامر القائد وتعليماته العسكرية الحكيمة.
وبيد أن أبا سفيان لم يكف عن اطلاق شعاراته ، والمضيّ في الدعاية لمعتقده الباطل فقال : نحن لنا العزّى ولا عزى لكم!!