ولم يمض زمان حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى :
« وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ » (١).
ولقد كشف الاسلام مرة اخرى ومن خلال هذه الآية ـ التي تتضمن أصلا اسلاميا في مجال القضاء مسلما به ـ عن وجهه الانسانيّ العاطفيّ ، وأظهر للجميع بأن الدين الاسلامي ليس شريعة انتقام ، وثأر ، فهو يعلّم أتباعه بأن لا يغفلوا في أشدّ اللحظات والحالات النفسية هياجا وغضبا عن قانون العدالة ، والحق ، وبهذا يكون الاسلام قد راعى مبادئ العدالة والانصاف على الدوام ، وصانها من الانهيار ، والسقوط.
ولقد أصرّت صفية أخت حمزة أنّ ترى جثمان أخيها ، إلاّ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أمر ابنها الزبير أن يحبسها ويصرفها عن ذلك لكي لا ترى ما بأخيها فلا تحتمل الصدمة.
فقالت صفية : قد بلغني أن قد مثّل بأخي وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك! لاحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله.
فأخبر الزبير رسول الله صلىاللهعليهوآله بمقالتها فقال صلىاللهعليهوآله : خلّ سبيلها ، فأتته ، فنظرت إليه فصلّت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له ، ثم أمر به رسول الله صلىاللهعليهوآله فدفن (٢).
حقا أن قوّة الإيمان أعظم القوى ، فهي تحبس الانسان وتحفظه في أصعب الحالات ، وتفيض على صاحبه حالة من السكينة والوقار.
ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله صلى على شهداء أحد الأبرار ، وأمر بدفنهم واحدا واحدا أو اثنين اثنين ، وأمر بأن يدفن « عمرو بن الجموح » و « عبد الله بن عمرو » في قبر واحد.
__________________
(١) النحل : ١٢٦.
(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٩٧.