زوجة ابي سفيان فرصة انشغال المقاتلين المسلمين وارتكبن بحق الشهداء الابرار ، جناية فظيعة لم يعرف لها تاريخ البشرية مثيلا ، فهن لم يكتفين بالانتصار الظاهري بل عمدن إلى التمثيل بشهداء المسلمين ، تمثيلا مروعا فخمشن وجوههم ، وقطّعن الأنوف ، وجدعن الاذان ، وسملن العيون ، وقطعن أصابع الأيدي والأرجل ، والمذاكير ، وصنعن منها القلائد والاساور ، نكاية بالمسلمين ، واطفاء للحقد الدفين ، وبذلك الحقن بهنّ وبأوليائهنّ عارا لا ينسى.
فان جميع الامم والشعوب ـ متفقة على أن الميت الذي لا يستطيع دفاعا عن نفسه ، ولا يتوقع منه ضرر يجب احترامه ، ويحرم اهانته وان كان عدوا. ولكن هندا زوجة أبي سفيان ومن كان برفقتها من نساء المشركين مثّلن بأجساد القتلى شر تمثيل ، وصنعن مما قطّعن منها الاساور والقلائد ، وبقرت « هند » بالذات صدر حمزة بطل الاسلام الفدائيّ ، وأخرجت كبده ، ولاكته بين أسنانها ولكنها لفظته ولم تستطع أكله.
وقد بلغ هذا العمل من القبح ، والسوء أن تبرّأ منه أبو سفيان وقال : « في قتلاكم مثلة لم آمر بها » (١).
وقد عرفت هند بسبب فعلتها الشنيعة هذه بآكلة الاكباد ، ودعي أبناؤها في ما بعد ببني آكلة الاكباد.
ولما أبصر رسول الله صلىاللهعليهوآله حمزة بن عبد المطلب ، ببطن الوادي وقد بقر بطنه عن كبده ، ومثّل به فجدع أنفه واذناه ، حزن حزنا شديدا وغاضه تمثيلهم به فقال :
« ما وقفت موقفا قطّ أغيظ إليّ من هذا! ».
ثم إنّ المؤرّخين يتفقون على أنّ المسلمين تعاهدوا في ذلك الموقف ( وربما نسب هذا إلى النبيّ نفسه ) لئن أظفرهم الله بالمشركين يوما أن يمثّلوا بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب أو يمثلوا بدل الواحد ثلاثين.
__________________
(١) السيرة الحلبية : ج ٢ ص ٢٤٤.