انهيار الوحدة والانسجام في الجبهة الداخلية أخطر بكثير من تعرّض البلاد لهجوم من الخارج.
من هنا كان يتعيّن على النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يرهب العدو الداخلي ، ويفهمه بأنّ قوى التوحيد لم تفقد انسجامها وتماسكها وانّ أيّة خطوة أو نشاط معاد يهدّد أساس الاسلام للخطر سيسحق بشدة في اللحظة الأولى.
ولهذا أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بأن يخرج في نفس الليلة لملاحقة العدوّ ( أي مشركي مكة ).
فكلّف النبيّ صلىاللهعليهوآله رجلا بأن ينادي في كل مناطق المدينة :
« ألا عصابة تشدّد لأمر الله تطلب عدوّها ، فانّها أنكأ للعدوّ وأبعد للسمع.
ألا لا يخرجن معنا الاّ من حضر يومنا بالامس ».
أو قال : « يا معشر المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ، ومن لم يكن به جراحة فليقم ».
وانما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله كما أسلفنا ليرهب العدوّ وليبلغهم أنه خارج في طلبهم فيظنوا به قوّة ، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوّهم (١).
على أن لهذا التقييد ، ولهذا النهي عن خروج غير الجرحى ، أو من لم يشترك في احد ، عللا أو حكما لا تخفى على العارفين بالسياسة ، والرموز العسكرية.
ويمكن الاشارة الى بعضها :
أولا : انّ هذا التحديد ، وبالتالي الاقتصار على من شارك في معركة احد هو نوع من التعريض بمن امتنع من المشاركة في تلك المعركة ، وفي الحقيقة هو نوع من تجريدهم من صلاحية المشاركة في الدفاع المقدّس.
ثانيا : إنّ هذا التحديد هو نوع من عقاب المشاركين في معركة احد ، لأنّهم بتجاهلهم لتعاليم القيادة ، وانصرافهم بسرعة الى المطامع المادية ، والغفلة عن ملاحقة العدوّ في حينه تسببوا في توجيه تلكم الضربة النكراء الى الاسلام ،
__________________
(١) مجمع البيان للطبرسي : ج ٢ ص ٥٣٥ ـ ٥٤١.