جلس مستندا الى جدار بيت من بيوتهم واخذ يكلمهم (١).
ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله احسّ بشرّ من ذلك الترحيب الحارّ الذي قابلته به رجال بني النضير ، والذي رافق حركات مشبوهة منهم!!
هذا مضافا إلى أنه صلىاللهعليهوآله شاهدهم وقد خلا بعضهم إلى بعض يتناجون ويتهامسون الأمر الذي يدعو الى الشك ، ويورث سوء الظن!!
وقد كان سوء الظن هذا في محله ، فقد قرر سادة يهود ـ لمّا أتاهم رسول الله صلىاللهعليهوآله في رهط قليل من أصحابه ـ أن يتخلصوا منه باغتياله والغدر به على حين غفلة منه صلىاللهعليهوآله ، فانتدبوا أحدهم وهو « عمرو بن جحاش » لتنفيذ هذه الجريمة ، وذلك بأن يعلو على البيت الذي استند رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى جداره فيلقى عليه صخرة تقتله.
إلاّ أنّ هذه المؤامرة انكشفت ـ ولحسن الحظ ـ قبل تنفيذها ، إما من خلال حركات اولئك اليهود الخبثاء ، المشبوهة ، أو بخبر أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله من السماء ، كما يروي ابن هشام والواقدي في مؤلفيهما.
فنهض رسول الله صلىاللهعليهوآله سريعا ، كأنه يريد حاجة ، وتوجه من توّه إلى المدينة دون أن يخبر أصحابه الذين أتوا معه ، بقصده.
وبقي أصحابه هناك ينتظرون عودته من حاجته دون جدوى.
وندمت يهود على ما صنعت ، واضطربت لذلك اضطرابا شديدا ، واصابتها حيرة شديدة فيما يجب أن تقوم به.
فمن جهة خشيت أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوآله قد علم بمؤامرتهم وتواطئهم ، فيقدم على تأديبهم لنقضهم ميثاق التعايش السلميّ ، ولتواطئهم القبيح ، ومكرهم السيئ.
ومن ناحية اخرى أخذت تفكّر في أن تنتقم من أصحابه الموجودين هنا إن هو فاتهم ، ولكنها خشيت أن يؤدي ذلك إلى مزيد من تأزّم الموقف ، وان ينتقم
__________________
(١) يقول صاحب المغازي : إن النبيّ جاء بني النضير في ناديهم ج ١ ص ٣٦٤.