اذا مت فادفني الى جنب كرمة |
|
تروّي عظامي بعد موتي عروقها(١) |
من هنا اعتبر القرآن الكريم اتخاذ الخمر من التمور والاعناب ـ في مجتمع كان تعاطي الخمر جزء أساسيا من حياته ـ مخالفا للرزق الحسن ، وبذلك ايقظ العقول العافية ، إذ قال :
« وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً » (٢).
إنّ القرآن أعلن ـ في المرحلة الاولى من مراحل النهي عن تعاطي الخمر ـ أن اتخاذ المسكر من التمر والعنب لا يعد من الارتزاق الحسن بل الارتزاق الحسن هو تناول التمر والعنب على حالتهما الطبيعية.
إن هذه الآية : أعطت هزة ذكيّة للعقول وهيّأت الطبائع المنحرفة لمرحلة أقوى في مسيرة تحريم الخمر حتى يتسنى لرسول الله صلىاللهعليهوآله أن يشدد من نبرته ، ويعلن عن طريق آية اخرى أنّ النفع المادي القليل ، الذي تعود به الخمر ويأتي به القمار ، ليس بشيء بالقياس الى أضرارهما الكبرى وأخطارهما العظيمة ، وقد تم الكشف عن هذه الحقيقة في قوله تعالى :
« يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما » (٣).
ولا ريب أن مجرد المقارنة بين النفع والضرر ، وكذا الوقوف على زيادة الضرر على النفع كاف لايجاد النفور والاشمئزاز لدى العقلاء ، والداعين من الخمر وما شاكلها ، وشابهها.
إلاّ أن جماهير الناس وعامتهم لن يقلعوا عن هذه العادة الشريرة المتجذرة ما لم يسمعوا نهيا صريحا وقاطعا عنها.
فها هو عبد الرحمن بن عوف رغم نزول هذه الآية قد استضاف جماعة من الصحابة وأحضر على المائدة خمرا ، فأكلوا ، وشربوا الخمر ، ثم قاموا الى الصلاة ، فأخطأ أحدهم في القراءة وهو سكران خطأ غيّر من مراد الله تعالى في ما قرأ من
__________________
(١) أي ما يسكر.
(٢) النحل : ٦٧.
(٣) البقرة : ٢١٩.