الأرض.
ولكي يتم هذا الامر بنظام وسرعة جعل على كلّ عشرين خطوة ، وثلاثين خطوة جماعة من المهاجرين والانصار يحفرونه ، فحملت المساحي والمعاول ، وبدأ رسول الله صلىاللهعليهوآله نفسه وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه ، وعليّ عليهالسلام ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله صلىاللهعليهوآله وعيي (١) وهو يقول :
« لا عيش إلاّ عيش الآخرة ، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة ».
وقد كشف رسول الله صلىاللهعليهوآله بعمله هذا عن جانب من نهج الاسلام واسلوبه ، وفي ذلك تنشيط الامة وتقوية لعزائمهم في مجال القيادة واخلاق القائد ، وأفهم المجتمع الاسلامي أنّ على القائد الاسلاميّ ، وعلى إمام الامة أن يشارك الناس في آلامهم كما يشاركهم في آمالهم ويسعى أبدا الى التخفيف عن كاهلهم بمشاركته العملية في الأعمال ، ولهذا لما نظر الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يحفر نشطوا واجتهدوا في الحفر ، ونقلوا التراب ، ولما كان اليوم الثاني بكّروا في العمل ، وكان ذلك النشاط العظيم عاملا في أن يندفع يهود بني قريظة أيضا إلى مساعدتهم فأعاروهم المساحي والفؤوس والأوعية الكبيرة لنقل التراب (٢).
وكان المسلمون يومئذ يعانون من نقص وضيق شديدين في المواد الغذائية ، ومع ذلك كان أصحاب المكنة والثراء من المسلمين يمدّونهم بالطعام وغيره (٣).
وربما عرضت للمسلمين وهم يحفرون في الخندق صخرة عظيمة عجزوا عن كسرها وإزالتها ، فأخبروا رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك فأخذ معولا فكسرها وأزالها.
__________________
(١) وجاء في تاريخ الخميس : ج ١ ص ٤٨٩ انه (ص) كان ينقل التراب حتى اغبرّ بطنه.
(٢) السيرة الحلبية : ج ١ ص ٣١١.
(٣) السيرة الحلبية : ج ١ ص ٣١٢.