فاستخلف مكانه لإدارة شئون المدينة « ابن أمّ مكتوم » في الشهر الخامس من السنة الهجرية السادسة ولم يظهر لأحد ما يقصده ، بل خرج يظهر أنه يريد الشام ليصيب « بني لحيان » على غفلة منهم ، فلما وصل الى طريق مكة عرّج حتى نزل بمنطقة تدعى غراب وهي منازل بني لحيان ، وقد كان بنو لحيان قد عرفوا بمسير النبي إليهم فحذروه ، وتمنعوا في رءوس الجبال.
وكان غزو المسلمين هذا ، وجبن العدو قد تركا أثرا نفسيا قويا ، فأحدث رعبا في قلوب أعداء الإسلام.
واستكمالا لهذا الهدف العسكريّ الهامّ عمد رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى القيام بسلسلة من المناورات العسكرية ، واستعراض القوة القتالية في جنوده ليرهب أعداء الله القريب منهم والبعيد ولتسمع بهم قريش خاصة فيذعرهم ، فنزل في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان على مقربة من مكة وقد قال من قبل :
« لو هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة ».
ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ( وهو موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال ). ثم عاد مع أصحابه إلى المدينة (١).
هذا وكان جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول حين رجوعه من هذه الغزوة :
« ... أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال » (٢).
غزوة ذي قرد :
لم يقم رسول الله صلىاللهعليهوآله في المدينة بعد عودته من الغزوة
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٧٩ و ٢٨٠.
(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٥٤ ، المغازي : ج ٢ ص ٥٣٥ ، إمتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٥٩ و ٢٦٠.