لا يطول القتال بين المسلمين وبين « بني المصطلق » فتفرق جيش العدو بأن قتل منهم عشرة رجال ، كما وقتل رجل مسلم خطأ ، فأصاب المسلمون غنائم كثيرة وسبوا جماعة كبيرة من نساء بني المصطلق (١).
هذا وان النقاط والدروس المفيدة في هذه الواقعة تتمثل في السياسة الحكيمة التي مارسها رسول الله صلىاللهعليهوآله في حوادث هذه الغزوة ، ممّا سنذكر بعضها عما قريب.
وقد شبّ في هذه المنطقة ولأوّل مرّة خلاف بين المهاجرين والأنصار ، كاد أن يأتي بنتائج مروّعة أبسطها أن توجّه ضربة قوية إلى الاتحاد الحاصل بين المسلمين نتيجة هوى البعض وهو سهم لو لا تدبير النبي صلىاللهعليهوآله وحكمته ، الرشيدة التي أنهت كل شيء ، وابقت على روح التآخي بين المسلمين.
وتعود جذور هذه الحادثة إلى تزاحم رجلين من المسلمين على البئر بعد ان وضعت الحرب أوزارها.
فقد ازدحم « جهجاه بن مسعود » وهو من المهاجرين و « سنان بن وبر الجهني » وهو من الأنصار على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهني ـ مستغيثا بقبيلته على عادة الجاهليين ـ : يا معشر الأنصار ، وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين ، وكاد أن يتقاتل المسلمون من الفريقين فيما بينهم في هذه الحادثة ، وفي هذا المكان البعيد عن عاصمة الاسلام ومركزه ، ويتعرض بذلك كيانهم للسقوط والانهيار ، لأنهم تواعدوا على القتال كل فريق انتصارا الصريحة.
فلما عرف رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك قال :
« دعوها فإنها منتنة » (٢).
أي أن هذا النوع من الاستغاثة ولمثل هذا الدافع ما هو إلاّ من دعوى
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٦٠ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ١٩٥ و ١٩٦.
(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٢٩٠ ( الهامش ).