وكان أبو جندل قد بلغه أمر المفاوضات هذه ، فهرب من محبسه وانفلت الى رسول الله صلىاللهعليهوآله سالكا إليه طرقا وعرة في الشعاب ، والوديان.
فلما رأى « سهيل » ابنه أبا جندل وقد هرب من سجنه ، ولجأ إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله قام إليه فضرب وجهه ، واخذ بتلابيبه ثم قال : يا محمّد لقد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ، وهذا يا محمّد أول من أقاضيك عليه أن ترده.
ولا شك أن كلام « سهيل » كان باطلا ، ولا مبرر لطلبه ، لأن الميثاق لم تتم كتابته على الورق ، ولم يوقع عليه الطرفان ، ولم ينته ـ بالتالي ـ من مراحله النهائية والأخيرة بعد ، فكيف يمكن الاستناد إليه ، ولهذا أجابه رسول الله صلىاللهعليهوآله قائلا :
« إنا لم نرض ( نقض ) بالكتاب بعد » (١)
فقال سهيل : إذا والله لا اصالحك على شيء أبدا ، حتى ترده إليّ ، ولم يزل يصرّ على كلامه ورفضه هذا حتى أنزعج اثنان ممّن رافقه من شخصيات قريش هما مكرز وحويطب من تصلب سهيل وتشدده.
ثم قاما وأخذا أبا جندل من أبيه وأدخلاه خيمة وقالا : نحن نجيره.
ولقد فعلا ذلك حتى ينهيا ذلك التنازع ، والجدال ، ولكن إصرار سهيل على موقفه ، أبطل تدبيرهما اذ قال : يا محمّد لقد لجّت القضية بيني وبينك قبل ان ياتيك هذا (٢).
فاضطرّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أن يقوم بآخر سعي في طريق الحفاظ على الهدنة والصلح الذي كان له أثر عظيم في انتشار الاسلام ، ولهذا رضى بردّ أبي جندل إلى والده ، لإعادته الى مكة ، ثم قال لذلك المسلم الاسير تطييبا لخاطره :
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٣٤.
(٢) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢١ لجّت : وجبت وتمت.