لقد رأت قريش بام عينيها كيف أنه صلىاللهعليهوآله خالف في عقد ميثاق الصلح آراء جماعة من أصحابه ، المعارضة لبعض بنود الاتفاقية رغبة منه في تحقيق السلام ، وكيف آثر الحفاظ على حرمة المسجد الحرام على هواه ، ورغبته الشخصية.
إن هذا النوع من السلوك أبطل مفعول جميع الدعايات السيئة التي كانت تروّج ضد رسول الله صلىاللهعليهوآله ومواقفه وخلقه ، وأفكاره واثبتت للجميع أنه حقا رجل سلام ، وداعية خير للبشرية ، وأنه حتى لو سيطر على مقاليد الجزيرة العربية ، لما عامل أعداءه الاّ بالحسنى واللطف ، لأنه لم يكن مشكوكا فيه بأنه لو كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يخوض حربا ضد قريش في ذلك اليوم لغلبها وهزمها شر هزيمة كما يصرح بذلك القرآن الكريم أيضا اذ يقول :
« وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً » (١).
ومع ذلك أبدى رسول الله صلىاللهعليهوآله تسامحا كبيرا ، وأعلن عن عطفه ، وحنانه للمجتمع العربيّ ، وبذلك أبطل كل الدعايات التي كانت تروّج ضدّه ، وضدّ دعوته العظيمة المباركة.
من هنا نهتدي إلى مغزى ما قاله الامام الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام عن أهمية هذا الصلح حيث قال :
« وما كان قضية أعظم بركة منها » (٢).
إن الحوادث اللاحقة أثبتت أن اعتراض عدد ضئيل من صحابة النبي صلىاللهعليهوآله وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب على هذا الصلح كان باطلا ولا مبرر له.
وقد أدرج أرباب السير والتاريخ جميع هذه الاعتراضات ، كما تنقل ردّ النبيّ صلىاللهعليهوآله عليها ، ويمكن للوقوف عليها مراجعة السيرة النبوية
__________________
(١) الفتح : ٢٢.
(٢) الكافي : ج ٨ ص ٣٢٦.