ويذكّر انه بالمعاهدة وأرسلاه مع رجل من بني عامر يرافقه غلامه ، فدفع رسول الله صلىاللهعليهوآله « أبا بصير » إلى الرجلين عملا بالمعاهدة قائلا :
« يا أبا بصير إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ( أي من العهد ) ولا تصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا » (١).
فقال أبو بصير : يا رسول الله تردّني إلى المشركين؟!
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله ثانية :
« انطلق يا أبا بصير ، فان الله سيجعل لك مخرجا ».
ثم دفعه إلى العامريّ وصاحبه فخرج معهما باتجاه مكة.
فلما كانوا بذي الحليفة ( وهي قرية تبعد عن المدينة بستة أميال يحج منها بعض أهل المدينة ) صلّى أبو بصير ركعتين صلاة المسافر ثم مال إلى أصل جدار فاتّكأ عليه ، ووضع زاده الذي كان يحمله وجعل يتغدّى وقال لصاحبيه في لهجة الصدّيق : ادنوا فكلا؟ فأكلا معه ثم آنسهم ثم قال للعامري : ناولني سيفك انظر إليه إن شئت أصارم هو أم لا؟ فناوله العامري سيفه وكان أقرب إلى السيف من أبي بصير ، فجرّد أبو بصير السيف وقتل به العامريّ في اللحظة ، فهرب الغلام يعدو نحو المدينة خوفا ، وسبق أبا بصير الى المدينة ، وأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بما جرى لسيّده العامريّ ، فبينا رسول الله صلىاللهعليهوآله جالس في أصحابه والغلام عنده يقصّ عليه ما جرى إذ طلع أبو بصير ، فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله في المسجد وقال : وفت ذمّتك ، وأدّى الله عنك ، وقد أسلمتني بيد العدوّ ، وقد امتنعت بديني من أن افتن.
ثم إن أبا بصير بعد أن قال هذا الكلام خرج من عند رسول الله صلىاللهعليهوآله وغادر المدينة ، ونزل ناحية على ساحل البحر ، على طريق قافلة قريش
__________________
(١) المغازي : ج ٢ ص ٦٢٥.