المسئولية الخطيرة لائقا لها.
وقد توجّه إلى « القسطنطنية » رأسا بعد أن كلّفه رسول الله صلىاللهعليهوآله بايصال كتابه إلى قيصر ، ولكنه ما أن وصل إلى بصرى ( من مدن الشام ) إلاّ وبلغه أن قيصرا قد فارقها قاصدا بيت المقدس ولهذا بادر الى الاتصال بحاكم بصرى (١) : « الحارث بن أبي شمر » واخبره بالمهمة الخطيرة التي جاء من اجلها.
يقول مؤلف الطبقات الكبرى : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله دحية بن خليفة الكلبي الى قيصر يدعوه إلى الاسلام ، وكتب معه كتابا ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر ، ( ولعل النبي صلىاللهعليهوآله كان يعرف بمغادرة قيصر لعاصمة ملكه أو لعل ذلك الأمر كان مراعاة لامكانيات دحية المحدودة ، وكون السفر الى قسطنطنية كان يتطلب جهدا كبيرا أو لا يخلو من محاذير ).
فدفعه عظيم بصرى إليه وهو يومئذ بحمص ، وذلك بان استدعى عدي بن حاتم ووجهه مع سفير النبيّ صلىاللهعليهوآله ليوصل كتابه إلى قيصر ، فذهب به إليه ، ولما أراد الدخول على قيصر قال قومه لدحية : اذا رأيت الملك فاسجد له ، ثم لا ترفع رأسك حتى يأذن لك.
فقال دحية : لا افعل هذا أبدا ، ولا أسجد لغير الله! ( أي انني قد جئت لتحطيم هذه السنن الجاهلية المقيتة فكيف أخضع لها ، انما جئتكم من قبل نبي لا بلّغ ملككم بأن عهد عبادة البشر قد انقضى وانتهى وأنه لا يحق السجود إلاّ لله وحده ، فكيف يمكنني ذلك وأنا أحمل هذه الرسالة التوحيدية إليكم؟! ) (٢).
ولقد أعجب قوم قيصر بمنطق دحية القوي ، وموقفه الصلب ، فقال له رجل منهم : أنا أدلك على أمر يؤخذ فيه كتابك ، ولا تسجد له ، ضع صحيفتك تجاه
__________________
(١) كانت بصرى مركز محافظة حوران التي كانت تعدّ من مستعمرات قيصر. وكان الحارث بن أبي شمر ـ وبصورة عامة ـ جميع ملوك بني غسان ، من ولاة قيصر على تلك المناطق.
(٢) الطبقات الكبرى ، ج ١ ص ٢٥٩.