الحبشة العادل ، وملكها البار : اصحمة النجاشي.
فقد عمد النجاشيّ بعد تقديم الهدايا إلى سفير النبيّ صلىاللهعليهوآله ، إلى ارسال ثلاثين رجلا من القساوسة والاساقفة الاحباش إلى أرض المدينة للتحقيق في أمر الإسلام ، ونبوة محمّد صلىاللهعليهوآله وليروا من كثب حياته الزاهدة البسيطة ، ولا يتصوروا أنه يعيش كما كان يعيش الملوك والجبابرة في ذلك العصر.
ولما قدم مبعوثو النجاشي المدينة على رسول الله صلىاللهعليهوآله سألوه عن نظريته حول السيّد المسيح عليهالسلام فبيّن رسول الله صلىاللهعليهوآله عقيدته حول ذلك النبيّ العظيم بقراءة الآية التالية :
« إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ : إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ » (١).
وقد كان لهذه الآيات أثر عجيب في نفوس اولئك القساوسة والأساقفة حتى أنهم بكوا عند سماعها من دون اختيار.
وبعد التحقيق الدقيق في دعوة رسول الله صلىاللهعليهوآله عاد هذا الفريق من علماء الدين المسيحي إلى الحبشة ، وأخبروا النجاشيّ بما سمعوه وشاهدوه ، فبكى هو أيضا لما سمع من اولئك الرجال (٢).
وقد نقل ابن الاثير في « الكامل » و « اسد الغابة » قصة هذا الوفد بصورة اخرى إذ كتب بعد ذكر ما مرّ من رسالة النجاشي باضافة قوله : « وبعثت
__________________
(١) المائدة : ١١٠.
(٢) اعلام الورى : ص ٤٦.