صلىاللهعليهوآله أمام عيون المئات من جنوده الجياع :
« أخرجها من العسكر ثم صح بها وارمها بحصيات فإنّ الله عزّ وجلّ سيؤدّي عنك أمانتك ».
ففعل الراعي ما أمره به رسول الله صلىاللهعليهوآله وخرجت الغنم إلى صاحبها حتى دخلت الحصن كأنّ سائقا يسوقها ، وقد قاتل ذلك اليهودي إلى جانب المسلمين حتى استشهد (١).
أجل لم يكتسب رسول الله صلىاللهعليهوآله لقب « الامين » من قومه في فترة شبابه فقط بل كان أمينا في جميع الحالات والظروف وهو القائل :
« ما من شيء كان في الجاهلية إلاّ هو تحت قدمي إلا الامانة فانها مؤداة إلى البر والفاجر » (٢) ، وقد بقي تردد القطعان حرا طوال مدة الحصار ولم يفكر ولا واحد من المسلمين بأخذ غنم منها لأنهم تعلّموا الأمانة والتقوى والصدق والورع من معلّمهم الاكبر « محمّد » الصادق الأمين صلىاللهعليهوآله .
نعم غلب الجوع الشديد على العسكر ذات يوم حتى كادوا أن يهلكوا فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بأن تؤخذ شاتان من غنم اليهود اضطرارا ، واطلق البقية لتدخل الحصن بامان (٣) ، ولو لا ذلك الاضطرار الذي يباح معه المحذور بقدره لما سمح رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك ، ولما رأى جوع أصحابه وتضوّرهم من شدّة السغب دعا قائلا :
« اللهم انّك قد عرفت حالهم وان ليست بهم قوة ، وان ليس بيدي شيء اعطهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاما » (٤).
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٤٤ و ٣٤٥. امتاع الاسماع : ج ١ ص ٣١٢ ـ ٣١٣.
(٢) مجمع البيان : عند تفسير قول الله تعالى : « وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ... ».
(٣) السيرة النبوية : ج ١ ص ٣٣٥ ـ ٣٣٦.
(٤) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٢٢.