وبساتينهم بأيديهم ، على أن يكون له نصف محاصيلها سنويا.
بل إن النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ كما يروي ابن هشام ـ هو الذي اقترح هذا الأمر على اليهود ، وترك لهم حرية التصرف في مزارعهم وأراضيهم ليغرسوا أو يزرعوا ما يريدون من الشجر (١).
لقد كان في مقدور النبي صلىاللهعليهوآله ، كأيّ فاتح آخر ، أن يريق دمهم جميعا ، أو أن يجليهم برمتهم من أراضيهم ، أو يجبرهم على اعتناق الاسلام ، ولكنّه ـ خلافا لتصور زمرة مغرضة من المستشرقين ، وطلائع الاستعمار الثقافي الذين يتصوّرون ويزعمون بأن الاسلام دين القهر والقوة ، وان المسلمين أجبروا الامم والأقوام المغلوبة على ترك عقائدها ، واعتناق الاسلام لم يفعل مثل هذا العمل قط ، بل تركهم أحرارا في ممارسة شعائرهم ، والبقاء على ما كانوا يعتقدونه من اصول دينهم وفروعه.
ولم يحارب رسول الله صلىاللهعليهوآله وأصحابه يهود « خيبر » إلاّ لأنّ « خيبر » قد تحوّلت إلى بؤرة خطرة للمؤامرة ، والكيد بالاسلام والمسلمين ، فقد كانوا يمدّون المشركين بكل ما يريدون للقضاء على الحكومة الاسلامية الحديثة التأسيس ، ولهذا اضطر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى مقاتلتهم ، وتجريدهم من أسلحتهم ، حتى يعيشوا تحت ظل الحكومة الاسلامية بمنتهى الحرية ، ويشتغلوا بمشاغلهم في الزراعة ، ويقيموا شعائرهم الدينية من دون أن يجدوا فرصة للمشاغبة والتآمر ضدّ رسالة التوحيد الكبرى ، اذ كانوا يسببون مشاكل كبيرة للمسلمين ـ في غير هذه الصورة ـ ويمنعون من تقدّم الاسلام وانتشاره.
وأما الجزية (٢) فقد كان لقاء دفاع الحكومة الاسلامية عنهم ، وحمايتهم من الأعداء ، وتوفير الأمن لهم ، إذ كان حماية أموالهم وأنفسهم من وظائف المسلمين.
ثم ان المحاسبة الدقيقة تقودنا إلى أن ما كان يدفعه المسلمون إلى الحكومة
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٣٧.
(٢) الجزية ما يؤخذ من أهل الذمّة.