ويكتب هذا الكاتب في موضع آخر من كتابه أيضا : سألت علي بن الفارقيّ مدرّس المدرسة الغربية ببغداد ، فقلت له : أكانت فاطمة صادقة؟ قال : نعم ، قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم ، ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجأت إليه غدا ، وادّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء ، لانه يكون قد اسجل على نفسه على أنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود. وهذا كلام صحيح ، وان كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل (١).
لقد بدأ منع بني الزهراء من فدك في عهد الخليفة الأول ، وبعد ان قضى علي عليهالسلام وتسلّم معاوية زمام الامر ، وزع فدكا بين ثلاثة هم : ( مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان ، وابنه يزيد ).
ولما ولي الأمر « مروان » سيطر على فدك بصورة كاملة ، ووهبها لابنه عبد العزيز ، واعطاها عبد العزيز لولده « عمر بن عبد العزيز » (٢).
وحيث انه كان حاكما معتدل السيرة بين خلفاء بني أميّة لهذا فان أول بدعة أزاحها كان هو اعادة فدك إلى بني فاطمة ، ثم انتزعها الخلفاء الذين توالوا بعده من ايدي بني هاشم ، وكانت بأيديهم حتى يوم انقرضت فيه حكومة الامويين.
وقد اضطرب أمر فدك اضطرابا عجيبا ايام الخلافة العباسية ، فلما ولي أبو العباس السفاح ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ثم قبضها ابو جعفر من بني حسن ، ثم ردّها محمّد المهدي ابنه ، على ولد فاطمة عليهاالسلام ، ثم قبضها موسى الهادي بن المهدي وهارون أخوه ، لاسباب سياسيه خاصة ، حتى وصل الدور إلى المأمون فردها على الفاطميين اصحابها الشرعيين ضمن تشريفات
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد : ج ١٦ ص ٢٨٤.
(٢) شرح ابن أبي الحديد : ج ١٦ ص ٢٧٨.