الظفر والانتصار.
فللدّول الكبرى اليوم أجهزة طويلة وعريضة ، وتشكيلات واسعة ، ومعقّدة لإعداد وتخريج الجواسيس البارعين ، وإرسالهم إلى النقاط والمراكز المطلوب اكتشاف أسرارها ، والتعرف على أوضاعها وخصوصياتها ، وترصد هذه الدول ميزانيات ضخمة لهذا الغرض (١).
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله أوّل من ابتكر في تاريخ الاسلام هذا العمل في صورته المنظّمة ، وتبعه في ذلك الخلفاء الذين جاءوا من بعده ، وبخاصّة الامام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي كان يستعين بجواسيس وعيون كثيرين في مجالات مختلفة ، عسكرية ، وإدارية.
فكان عليهالسلام إذا نصب واليا على بلد ، جعل عليه عينا يراقب أعماله وتصرّفاته ، ويخبر الإمام بها أوّلا بأوّل ، فكان الإمام يكتب إلى ذلك الوالي ، ويوبّخه على تصرفاته وانحرافاته إن بلغه شيء من ذلك (٢).
ولقد كلّف رسول الله صلىاللهعليهوآله في السنة الثانية ثمانية رجال من المهاجرين ، بالتوجّه تحت إمرة « عبد الله بن جحش » إلى موضع معين ، والنزول فيه ، للتعرف على نشاطات قريش ، ومؤامراتهم.
وقد كان عدم مفاجأة قريش للنبيّ صلىاللهعليهوآله في معركة « احد » وخروجه المبكّر من المدينة بقواه ، وجنوده ، والنزول في منطقة مناسبة عسكريا خارجها ، وحفره المبكّر أيضا للخندق المعروف في شمال المدينة ، والذي منع العدو ( جيش الأحزاب ) من اقتحام المدينة المنوّرة ، كل ذلك كان نابعا من معرفة رسول الله صلىاللهعليهوآله المسبقة والدقيقة بأسرار العدوّ ، ونواياه ،
__________________
(١) راجع : كتاب : المخابرات والعالم وغيره.
(٢) راجع : نهج البلاغة قسم الرسائل والكتب ، رقم ٣٣ و ٤٥ وكتاب الغارات.
هذا وقد بحثنا موضوع الاستخبارات والتجسس في النظام الاسلامي بصورة مسهبة في كتابنا : معالم الحكومة الاسلامية ، فراجع.