وفي اليوم العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة أصدر رسول الله صلىاللهعليهوآله أوامره بالخروج ، وكان قد أصدر أوامره للمسلمين كافة من قبل بالاستعداد والتهيؤ للخروج.
ثم إنه استخلف على المدينة رجلا من بني غفار يدعى « أبا رهم » ثم استعرض جيشه خارج المدينة على عادته.
ثم لما كان صلىاللهعليهوآله بمكان يدعى « الكديد » طلب شيئا من الماء امام المسلمين ، وافطر به في تلك الساعة من النهار ، وامر الجند بان يفطروا اقتداء به هم أيضا.
فافطر اكثر المسلمين ، وأمسك البعض ولم يفطر ظنا بأن الجهاد في حالة الصوم أفضل ، واكبر أجرا ، ولم يعرف هؤلاء السذّج غير المفطرين ، بان النبي صلىاللهعليهوآله الذي أمر بالافطار في شهر رمضان في تلك الحال ، هو نفسه الذي أمر بالصوم أيضا
فاذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله قائد حق ودليل سعادة فانه ـ في كلتا الحالتين ـ يريد سعادة الناس ، وينشد خيرهم ، فلا معنى إذن لأن يطاع في أمره ، ولا يطاع في نهيه.
وهذا غضب رسول الله صلىاللهعليهوآله لامتناع ثلة من المسلمين عن الإفطار كما أمر وقال عنهم : « اولئك العصاة »!! (١).
وأمرهم بأن يفطروا قائلا : « إنكم مصبحوا عدوّكم ، والفطر أقوى لكم ».
إنّ مثل هذا التقدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله وتجاهل أمره ما هو في الحقيقة إلاّ نوع من الانحراف عن الحق ، وهو يكشف عن ضعف في ايمان الجماعة العاصية ، المتمردة عن أمر النبي صلىاللهعليهوآله .
ولهذا نزل فيه قرآن يلومهم ، ويوبّخهم على عصيانهم إذ قال سبحانه :
« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ٧ ص ١٢٤ ، السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٩٠ ، المغازي : ج ٢ ص ٨٠٢.
(٢) الحجرات : ١.