الاسلامية ، لأنّ رجالا مثل « أبي سفيان » و « أبي جهل » و « عكرمة » و « صفوان بن أميّة » وغيرهم ، كانوا قد أوجدوا جوّا من الرعب والخوف في مكة استمرّ أعواما عديدة ، فلم يكن يجرأ أحد من المكيّين في مثل هذا الجوّ المشحون بالخوف أن يفكّر في الاسلام ، أو يظهر رغبته في اعتناقه ، والانضواء تحت لوائه.
فإذا لم يكن إسلام أبي سفيان الظاهريّ والسطحيّ مفيدا من حيث الواقع ، ولكنه كان مفيدا جدا لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، وللذين كانوا تحت سيطرة أبي سفيان ونفوذ زعامته من جماهير مكة ، وبالتالي لمن كانت له علاقات قربى معه.
ومع ذلك لم يسمح رسول الله صلىاللهعليهوآله بإخلاء سبيل أبي سفيان لأنه لم يكن آمنا ـ وحتى مع إظهاره الاسلام ـ من جانبه قبل أن يتمّ فتح مكّة ، ولهذا أمر صلىاللهعليهوآله عمّه العباس بأن يحبسه بمضيق الوادي عند ممرّ الجنود ليبصر عظمة القوات الاسلامية ، وكثافتها قائلا :
« يا عبّاس احبشه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ( أي انفه ) حتى تمرّ به جنود الله فيراها ».
ثم إن العباس قال لرسول الله صلىاللهعليهوآله : يا رسول الله إنّ أبا سفيان هذا رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا.
واستجاب رسول الله صلىاللهعليهوآله لهذا الطلب ، ومع أن أبا سفيان كان قد عادى رسول الله صلىاللهعليهوآله والّب ضدّه طيلة عشرين عاما ، وأثار في وجه دعوته الحروب والفتن الكثيرة ، ووجّه بذلك ضربات كثيرة إلى الاسلام والمسلمين ، فمنحه ـ رغم ذلك ولمصالح خاصة ـ مقاما ، وقال كلمته التاريخية في حقه ... تلك الكلمة التي تكشف عن عظمة أخلاق رسول الاسلام صلىاللهعليهوآله وسمو روحه ، وعمق حكمته اذ قال :
« من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.