على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يكتف بهذا بل أضاف إلى الأماكن الثلاثة التي أعلنها للجوء الناس إليها حتى يأمنوا من القتل ، موضعا آخر ، حيث عقد لابي رويحة « عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي » لواء وأمره أن ينادي :
« من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن » (١).
وقد تسبّب أبو سفيان بندائه في إضعاف المعنويات عند أهل مكة بشدة حتى أنهم انصرفوا عن فكرة المقاومة ، لو كانت ، وأثمرت جهود العباس ومساعيه في الليلة الفائتة ، وأصبح فتح مكة من دون مقاومة في نظر أهل الرأي وعند من ينظر الى واقع الامور ، أمرا مسلّما وقطعيا.
ففزع الناس ، وتفرّقوا ، ولجأ بعضهم إلى دورهم ، والبعض الآخر الى المسجد ، وأسدى أعدى أعداء الرسالة ونعني أبا سفيان ، ونتيجة لتدبير رسول الله الحكيم ، أكبر خدمة لجنود الاسلام ، حيث مهّد لهم ـ بما أوجده في نفوس المكيين وقلوبهم من هزيمة نفسية ـ طريق الفتح العظيم بسلام ، ومن دون مشاكل تذكر ، اللهم إلا « هند » زوجة أبي سفيان التي كانت تحرّض الناس على المقاومة ، وراحت تشتم زوجها وتسبّه باقذع الشتائم والسباب ، وتتهمه بالجبن والذل.
بيد أنّ الأمر كان قد قدر ، ولم تعد تنفع أيّة محاولة معاكسة ، ولم تكن تلك الكلمات والأعمال المعارضة سوى هباء في شبك!
ونظير هذا الذي فعلته هند ، ما فعله وقام به بعض الزعماء المتطرفين مثل « صفوان بن أميّة » وعكرمة بن أبي جهل » و « سهيل بن عمرو » ممثّل قريش في صلح الحديبية ، الذين تحالفوا فيما بينهم على أن يعملوا على منع قوات الاسلام من دخول مكة ، وانخدع بهم فريق من البسطاء والمغفلين ، فشهروا السلاح في وجه أول قطعة من قطعات الجيش الاسلامي ، وسدّوا بذلك الطريق عليها في محاولة
__________________
(١) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٣٧٩.