ومراعاة لجانب الحذر والاحتياط فرّق صلىاللهعليهوآله جنوده فأمر البعض بأن يدخلوا مكة من أسفلها ، وأمر البعض بأن يدخلوها من أعلاها ، ولم يكتف بهذا بل أمر وحدات من الجيش بان تدخل من جميع المداخل والطرق المؤدية إلى داخل مكة.
فدخلت جميع وحدات الجيش الاسلامي وقطعاته وكتائبه وفرقه مكة من دون قتال ومن دون ان تلقى من أهلها مقاومة ، فقد كانت جميع الأبواب مفتحة في وجوههم الاّ المدخل الذي دخل منه « خالد بن الوليد » بفرقته ، فقد عمد جماعة من المكيين بتحريض من « عكرمة » و « صفوان » و « سهيل » على شهر أسلحتهم في وجوه المسلمين ، ورموا بالنبل لمنعهم من دخول مكة ، ووقع قتال بين الجانبين ، ولكن محرّضي هذه الجماعة اختفوا بعد شيء من القتال والمقاومة ، وفرّ الآخرون بعد أن قتل منهم المسلمون اثنى عشر أو ثلاثة عشر شخصا (١).
ومرة اخرى قام أبو سفيان ومن حيث لا يشعر بعمل آخر لصالح الاسلام في هذه الحادثة ، فانه كان لا يزال مرعوبا ممّا رأى من كثرة الحشود العسكرية الاسلامية وقوتها وكان يعلم ان المقاومة لا تجدي نفعا ولا تجرّ على أهل مكة إلاّ الضرر ، ولهذا نادى بأعلى صوته ـ حقنا للدماء ـ : يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم؟ من دخل داره فهو آمن ، ومن وضع السلاح فهو آمن ... فلا يدفع محمّدا شيء ، فضعوا اسلحتكم ، وادخلوا في بيوتكم ، واغلقوا عليكم أبوابكم او ادخلوا المسجد ، تسلموا.
فكان لنداء أبي سفيان هذا أثره في نفوس الناس فجعلوا يقتحمون الدور ، ويغلقون عليهم ، ويطرحون السلاح في الطرقات حتى يأخذها المسلمون ، بينما لجأ بعضهم إلى المسجد.
ولما ظهر رسول الله صلىاللهعليهوآله على « ثنية أذاخر » نظر إلى لمعان
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٤٠٨ ، وحسب المغازي : ج ٢ ص ٨٢٥ ـ ٨٢٦ قتل ثمان وعشرون رجلا.