( الأذان ) ، فكان كل واحد من المشركين يقول كلاما ، غضبا وحنقا على بلال.
فمنهم من قال : الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يسمع هذا البوم!!
وقال أبو سفيان أما أنا فلا أقول شيئا ، لو قلت شيئا لاخبرته هذه الحصباء!! (١).
إن هذا العجوز الخرف المعاند الذي لم يشرق في قلبه نور الإسلام حتى آخر لحظة من حياته ، خلط بين مسألة الاطلاع على الغيب ، وتلقّي الحقائق عن طريق الوحى ، وبين مسألة التجسس الذي يعتمده جبابرة العالم وطغاته.
إن مسألة اطلاع رسول الله صلىاللهعليهوآله على قضايا الغيب أمر يحصل بطرق غير عادية ولا متعارفة ، في حين تحصل معرفة جبابرة العالم بمجريات الامور في بلادهم عن طريق استخدام عناصر بشرية ، أو من يسمّون برجال المخابرات والأمن.
وعلى كل حال فان رسول الله صلىاللهعليهوآله صلّى بالمسلمين صلاة الظهر ثم دعا « عثمان بن طلحة » وردّ إليه مفتاح الكعبة ، وقال له :
« هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء » (٢).
وروي أنه صلىاللهعليهوآله قال :
« خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم أحد إلاّ ظالم » (٣).
ولم يكن غير هذا بمتوقع من رسول الله صلىاللهعليهوآله .
فإن النبي الذي بعثه الله سبحانه إلى الناس ليدعوهم إلى أداء الامانة ـ فيما يدعوهم إليه ـ وليبلّغهم قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » من المسلّم أن يكون أول من يلتزم بهذا التعليم الالهي ، فيعيد مثل تلك الامانة الكبرى إلى صاحبها.
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤١٣.
(٢) و (٣) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٤١٢ ، المغازي : ج ٢ ص ٨٣٨ الطبقات الكبرى لابن سعد : ج ٢ ص ١٣٧.