وأحسن رسول الله صلىاللهعليهوآله الاختيار أيضا عند ما عيّن « معاذ بن جبل » ليعلّم الناس القرآن ويفقههم في الدين ، فقد كان معاذ ممن عرف بالفقه ، والمعرفة باحكام القرآن بين أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما بعثه للقضاء ، الى اليمن سأله صلىاللهعليهوآله : بم تقضي إن عرض قضاء فقال : أقضى بما في كتاب الله.
قال : فان لم يكن في كتاب الله؟
قال : أقضي بما قضى به الرسول.
قال : فإن لم يكن فيما قضى به الرسول؟
قال : أجتهد رأيي ولا آلو.
فضرب النبي صلىاللهعليهوآله صدره ، وقال :
« الحمد الله الّذي وفّق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله » (١).
قصة كعب بن زهير بن أبي سلمى :
كان « زهير بن أبي سلمى » من شعراء العرب البارعين في العهد الجاهلي ، فهو صاحب إحدى المعلّقات السبع التي بقيت منصوبة في الكعبة المعظّمة حتى قبيل نزول القرآن الكريم ، وكانت تفتخر بها العرب ، وتبدأ معلّقته تلك بقوله :
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم |
|
بحومانة الدرّاج فالمتثلّم |
وقد توفي « زهير » قبل عصر الرسالة ، وخلّف ولدين هما : « بجير » ، و « كعب » وكان الأول ممّن آمن برسول الله صلىاللهعليهوآله ونصره ، وأحبّه ، بينما عادى الثاني ( كعب ) رسول الله صلىاللهعليهوآله بشدّة ، وحيث أنه كان ذا قريحة شعرية موروثة قوية ، لهذا كان يهجو رسول الله صلىاللهعليهوآله في قصائده
__________________
(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٣٤٧ و ٣٤٨ ، ويكتب الجزري في اسد الغابة : ( ج ٣ ص ٣٥٨ ) كان عتاب رجلا خبيرا صالحا فاضلا.