قدم سفير رسول الله صلىاللهعليهوآله نجران وسلّم كتابه المبارك الى أسقف نجران ، فقرأ ذلك الكتاب بعناية ودقة متناهية ، ثم شكّل جماعة للمشاورة وتداول الأمر واتخاذ القرار مكوّنة من الشخصيات البارزة الدينية وغير الدينية ، وكان أحد أعضاء هذه المجموعة « شرحبيل » الذي عرف بعقله ونبله ، وتدبيره وحكمته ، فقال في معرض الاجابة على استشاره الاسقف اياه : قد علمت ما وعد الله ابراهيم في ذرية اسماعيل من النبوّة ، فما يؤمنك أن يكون هذا الرجل ، ليس لي في النبوة رأي ، لو كان أمر من امور الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك.
فقرر المتشاورون ان يبعثوا وفدا إلى المدينة للتباحث مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ودراسة دلائل نبوته ، فاختير لهذه المهمة ستون شخصا من أعلم أهل نجران وأعقلهم ، وكان على رأسهم ثلاثة اشخاص من اساقفتهم هم :
١ ـ « أبو حارثة بن علقمة » اسقف نجران الأعظم والممثل الرسمي للكنائس الروميّة في الحجاز.
٢ ـ « عبد المسيح » رئيس وفد نجران المعروف بعقله ودهائه ، وتدبيره.
٣ ـ « الأيهم » وكان من ذوي السن ومن الشخصيات المحترمة عند أهل نجران (١)
قدم هذا الوفد المسيحي المدينة ودخلوا المسجد على رسول الله صلىاللهعليهوآله وهم يلبسون أزياءهم الكنسيّة ويرتدون الديباج والحرير ، ويلبسون خواتيم الذهب ويحملون الصلبان في اعناقهم ، فأزعج منظرهم هذا وخاصة في المسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فشعروا بانزعاج النبي ولكنّهم لم يعرفوا سبب ذلك ، فسألوا « عثمان بن عفان » و « عبد الرحمن بن عوف » وكانت بينهم صداقة قديمة ، فقال الرجلان لعلي بن أبي طالب : ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟
قال : أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ثم يعودون إليه.
__________________
(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢١١ و ٢١٢.