فحملت كلمات أبي جهل المغرية قريشا على مواصلة التقدم نحو المدينة ، ونزلت في مكان مرتفع (١) خلف كثيب.
وأمطرت السماء مطرا غزيرا فأصاب قريشا منه ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه ، ومنعهم من مزيد التقدم.
بينما لم يحدث المطر أي مشكلة في العدوة الدنيا للمسلمين ولم يمنع من تحركهم بل كان بحيث لبد الأرض حتى ثبتت أقدامهم (٢).
و « بدر » منطقة واسعة يتكون جنوبها من مكان مرتفع ( العدوة القصوى ) وشمالها من مكان منخفض منحدر ( العدوة الدنيا ) وكانت في هذا الوادي الواسع بضع آبار وعيون ماء ، فكان منزلا للقوافل ينزلون فيه ويستقون ، ويستريحون ردحا من الزمن.
وهنا تقدم « الحباب بن منذر » وكان فارسا مجربا وعسكريا محنكا باقتراح الى النبيّ صلىاللهعليهوآله إذ قال : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل منزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « بل هو الرأي والحرب والمكيدة ».
فقال : يا رسول الله فان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتّى أدنى ماء من القوم ، فنزله فنغوّر ( أي ندفن العين ) ما وراء القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لقد أشرت بالرأي.
فنهض رسول الله صلىاللهعليهوآله ومن معه فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ، ثم أمر بالقلب ( الآبار ) فغوّرت ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية.
إن هذه الحادثة تكشف جيّدا على اهتمام رسول الإسلام بالمشاورة ،
__________________
(١) وهو ما يسمى بالعدوة القصوى.
(٢) ويقال كان المطر ينزل على قريش كأفواه القرب وعلى أصحاب رسول الله رذاذا بقدر ما لبد الأرض.