أنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن عدد أفراد المسلمين ومبلغ استعداداتهم ، لذلك كلفوا « عمير بن وهب الجمحيّ » ـ وكان فارسا ماهرا في الاحصاء والتخمين ـ بأن يحزر ( ويقدر بالحدس ) عدد أصحاب محمّد.
فاستجال بفرسه حول عسكر رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم رجع الى قريش وقال : ثلاثمائة رجل يزيدون أو ينقصون ، ولكن أمهلوني حتى انظر أللقوم كمين ، أو مدد.
فضرب في الوادي حتى أبعد ولكنه لم ير شيئا.
فرجع الى قريش ثانية وهو يحمل لهم خبرا مرعبا إذ قال : ما وجدت شيئا ( أي كمينا او مددا وراء المسلمين ) ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا (١) تحمل المنايا ، نواضح (٢) يثرب تحمل الموت الناقع (٣) ، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم.
والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتّى يقتل رجلا منكم ، فاذا اصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم!!!
وروى الواقدي عبارات عمير بنحو آخر إذ قال : قال عمير : والله ما رأيت جلدا ولا عددا ولا حلقة ولا كراعا ، ولكني رأيت قوما لا يريدون أن يئوبوا الى أهليهم ، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم ، زرق العيون كأنهم الحصى تحت الحجف (٤) (٥).
وروى المجلسي ما قاله عمير بنحو ثالث إذ قال : قال عمير : ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمّظ الافاعي ما لهم ملجأ إلاّ سيوفهم ما أراهم يولون حتى يقتلوا ، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم (٦).
__________________
(١) وهي جمع بلية وهي الناقة او الدابة.
(٢) الابل يستقى عليها الماء.
(٣) الموت الثابت البالغ في الافناء.
(٤) الحجف جمع الحجفة وهي الترس.
(٥) المغازي : ج ١ ص ٦٢.
(٦) بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.