يتصوّر مثلاً وجوب الحجّ في موسم الحجّ ويلاحظ أنّ المكلّف لا يقدر على الإتيان به لو لم يأت بمقدّماته فتترشّح من إرادته بالنسبة إلى الحجّ إرادة اخرى بالنسبة إلى المقدّمات ، وهذا أمر معقول ومتداول عند العقلاء فإذا تصوّر إنسان مجي صديقه غداً في داره فنفس هذا التصوّر يوجب حصول إرادته إيجاد مقدّمات الإستقبال من الآن.
الوجه الثاني : ما مرّ أيضاً كراراً من مسألة وجوب حفظ غرض المولى وأنّ العقل يحكم بأنّ أغراض المولى ليست بأقلّ من أغراض العبد في الأهميّة ، فكما يلزم العبد نفسه بإتيان مقدّمات تحصيل أغراضه الشخصيّة لابدّ له أن يلزم نفسه بإتيان مقدّمات تحصيل أغراض مولاه ولو في المستقبل وإن لم تحصل الإرادة والوجوب فعلاً.
فمن هذين الطريقين وجبت في الشريعة جميع المقدّمات المفوّتة وإن لم يكن الأمر بذي المقدّمة فعليّاً.
نعم ، هيهنا طريقان آخران يمكن المناقشة فيهما :
أحدهما : أنّ الواجب المشروط يرجع إلى الواجب المعلّق الذي يكون الوجوب فيه فعلياً والواجب استقبالياً.
وفيه أوّلاً : أنّه خلاف ظاهر أدلّة الواجبات المشروطة فإنّ ظاهرها أنّ الوجوب استقبالي.
وثانياً : ما ذهب إليه صاحب المدارك والمحقّق الأردبيلي رحمهالله من كون وجوب التعلّم وجوباً نفسيّاً.
وفيه أنّه خلاف الوجدان القطعي فإنّا نعلم علماً قطعيّاً بأنّ أمر المولى بالنسبة إلى التعلّم وإرادته له يكون من أجل ما يترتّب عليه من سائر التكاليف ، فهو إرشادي محض لأنّ الحكم المولوي النفسي يحتاج إلى وجود مصلحة في نفس الشيء ، ومعلوم أنّه لا مصلحة في نفس الفحص إلاّحفظ مصلحة الواقع أو عدم الوقوع في مفسدته بقدر الإمكان ، ولا أقلّ من كونه مخالفاً لظواهر أدلّة وجوب تحصيل العلم.
إلى هنا ظهر الحال في القول الأوّل والثاني.
أمّا القول الثالث : ( وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من استحقاقه العقاب على ترك التعلّم والفحص عند مخالفة الواقع لا مطلقاً ) فحاصل كلامه : إنّ وجوب التعلّم والفحص