الشيء مدار وجود الملاك ، بل الملاك يكون حكمة لتشريع وجوب الشيء كاختلاط المياه في وجوب العدّة على النساء ، وفي الثاني يدور وجوب الشيء مدار وجود الخطاب الواقعي ، ويكون علّة للحكم لا حكمة للتشريع ، كوجوب ذي المقدّمة بالنسبة إلى وجوب المقدّمة ، والخطابات الواقعية بالنسبة إلى وجوب التعلّم والاحتياط تكون كوجوب ذي المقدّمة علّة للحكم لا حكمة للتشريع ، فوجوب التعلّم والاحتياط يكون من هذه الجهة كوجوب المقدّمة ، وإن كان يفترق من جهة اخرى وهى : أنّ وجوب المقدّمة يترشّح من وجوب ذيها بخلاف وجوب التعلّم والاحتياط ، وبما ذكرنا يظهر ضعف ما ينسب إلى المدارك من كون العقاب على نفس ترك التعلّم ، فإنّ المستتبع للعقاب إنّما هو ترك الواجب النفسي لا ترك الواجب الطريقي ، ويتلو ذلك في الضعف ما ينسب إلى المشهور من كون العقاب على ترك الواقع لا على ترك التعلّم ، فإنّ العقاب على الواقع المجهول قبيح ، وإيجاب التعلّم لا يخرجه عن الجهالة.
فالأقوى : أن يكون العقاب على ترك التعلّم المؤدّي إلى ترك الواقع لا على ترك التعلّم وإن لم يؤدّ إلى ذلك لينافي وجوبه الطريقي ، ولا على ترك الواقع لينافي جهالته ( انتهى ) (١).
هذا ـ ولكن لا يخلو كلامه من إبهامات وإشكالات :
أوّلها : ( بالنسبة إلى قوله : إنّ العلم لا دخل له في القدرة حتّى يكون حاله حال المقدّمات المفوتة ) إنّ للعلم دخلاً في القدرة لأنّه لا إشكال في أنّه مع الجهل بمناسك الحجّ مثلاً لا يكون قادراً على إتيانها ولو من طريق الاحتياط لأنّ الاحتياط أيضاً لابدّ فيه من وجود علم إجمالي بالتكليف.
ثانيها : كون العلم طريقيّاً لا ينافي وجوبه النفسي لجواز أن تلاحظ الطريقيّة بعنوان الحكمة لا العلّة ، نظير وجوب انتباه المأمورين لإطفاء الحريق لنوبتهم في تمام ساعات الليل والنهار ، الذي لا إشكال في أنّه طريقي للإطفاء ، ولكن حيث يكون طريقاً بنحو الحكمة فلا يسقط وجوب الانتباه والكون في محلّ الإنتظار بعنوان واجب نفسي.
ثالثها : ( وهو العمدة ) أنّ الوجوب إمّا غيري أو نفسي ولا ثالث لهما ، لأنّ الطريقيّة إمّا أن تكون من قبيل العلّة للحكم فترجع إلى الواجب الغيري ، أو تكون من قبيل الحكمة فترجع
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٢٨١ ـ ٢٨٥ ، طبع جماعة المدرّسين.