الوجه الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله وحاصله : أنّ الحكم بالصحّة هنا يكون من باب تعدّد المطلوب ففي مورد الجهر والإخفات يكون أصل الصّلاة وذاتها مطلوبة وإتيانها بالجهر أو الإخفات مطلوباً آخر ، وفي مورد الإتمام في موضع القصر تكون الصّلاة التامّة مشتملة على مصلحة لازمة الاستيفاء بحيث لو لم تجب صلاة القصر كانت الصّلاة التامّة مأموراً بها ، لكن لمّا كانت مصلحة صلاة القصر أهمّ صارت هى الواجبة فعلاً ، وحينئذٍ تكون صحّة الصّلاة المأتي بها مستندة إلى المصلحة لا إلى الأمر الفعلي حتّى يقال بأنّها ليست مأموراً بها ، ( وأمّا استحقاقه للعقوبة مع فرض الصحّة فلعصيانه الأمر بالأهمّ أو المطلوب الأعلى ).
وأمّا عدم وجوب الإعادة فلأنّها لا فائدة فيها إذ لا مصلحة تقتضي الإعادة ، حيث إنّ المصلحة التامّة الكامنة في صلاة القصر مثلاً قد فاتت بسبب الإتيان بالصلاة التامّة ، لمكان التضادّ بين المصلحتين ، وهذا نظير ما إذا أمر المولى عبده بإطعام الفقير بالخبز من الحنطة فأطعمه بالخبز من الشعير فإنّ مصلحة الإطعام بالخبز من الحنطة قد فاتت بإطعامه الخبز من الشعير ، ويمتنع تداركها لعدم بقاء الموضوع.
لا يقال : فيلزم الحكم بصحّة صلاة التمام من العالم بوجوب القصر أيضاً مع استحقاقه العقوبة على مخالفة الواجب.
فإنّه يقال : إنّه لو كان الدليل اشتمال المأتي به على المصلحة اطلاق يشمل صورتي العلم بوجوب القصر والجهل به لقلنا بصحّة التمام وإجزائه عن القصر مطلقاً ، لكن الأمر ليس كذلك ، لأنّه لم يدلّ دليل على كون التمام ذا مصلحة في السفر إلاّفي حال الجهل ، ولا بُعد أصلاً في هذا الاختلاف ، فإنّ لحالات المكلّف دخلاً في المصالح والمفاسد الداعية إلى تشريع الأحكام.
إن قلت : كيف يتمشّى من المكلّف قصد القربة مع عدم كون التمام مأموراً به؟
قلنا : لا حاجة في تحقّق قصد القربة إلى قصد الأمر بل يكفي قصد الملاك والمصلحة ، وقد مرّ كون الصّلاة التامّة أيضاً محبوبة وذات مصلحة ).
إن قلت : على هذا يكون كلّ من التمام والإخفات مثلاً سبباً لتفويت الواجب الفعلي ، وما هو السبب لتفويت الواجب فعلاً حرام ، وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.
قلت : إنّ التمام مثلاً ليس سبباً لترك الواجب الفعلي وهو القصر ، بل التمام والقصر ضدّان ، وهما في رتبة واحدة ، فعدم كلّ منهما يكون أيضاً في رتبة وجود الآخر لا في طوله حتّى يصير